الأحد، 25 أغسطس 2013

فلسطين بين المقاومة والتحرير وانهاء الصراع



"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام (أو وطن) قومي في فلسطين للشعب اليهودي"

بهذا الاستهلال قدّم بلفور وعد الخارجية البريطانية إلى اللورد روتشيلد لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وعملت الحكومة البريطانية على تنفيذ هذا الوعد وانتهى الأمر بقيام كيان مختلف عن كل دول العالم، يجمع بين مركّبين مختلفين لمفهوم الدولة، الأول  مركب ديني مستقدم من العصور البائدة، والثاني قومي مستحضر من العصر الحديث.

هذا المفهوم المركب للدولة انعكس  على طبيعة الصراع وتحوّل لعقدة استحال معها إيجاد أي نوع من الحلول، فلا الفلسطيني قادر على استعادة أرضه لأنها حق ديني لليهود يدعمهم في ذلك كثير من دول العالم، ولا اليهودي قادر على القضاء على الفلسطيني ولا قادر على التمدد جغرافيا بسبب ديموغرافيته الدينية المحدودة

 ولمواجهة هذا البعد الديني، تطلع الفلسطينيون لبلدان العالمين العربي والإسلامي بإسم المقدسات التي تحتويها فلسطين، لكنها لم تكن كافية لجعل هذه البلدان تهب لتحريرها خصوصا أن كل هذه الدول ليست إلا دولا قائمة على أسس قومية  تدين بالإسلام وتعيش في ظل النظام العالمي المكوّن من دول قومية تعيش تحت مظلة هيئة أمم متحدة وتحتكم لمجلس الأمن، وبالتالي فليس بمقدور العرب والمسلمين مساعدة الفلسطينيين إلا من خلال هذا النظام الذي تسيطر عليه دول منحازة للكيان الديني المسمى إسرائيل.

وفلسطين لها أهمية خاصة لدى أهل الديانات الثلاثة، فأصحاب الديانة المسيحية يعتقدون أنها بلاد المسيح التي فيها وُلد وفيها صُلِب، ووأصحاب الديانة اليهودية يعتقدون أنها الأرض التي منحها الرب لإبراهيم عليه السلام ولأبنائه، وأرض الميعاد التي أعطاها لبني إسرائيل والتي أقيم فيها الهيكل، وأصحاب الديانة الإسلامية يعتبرونها وقفا إسلاميا ويعتقدون أن بها المسجد الأقصى وأن بها الصخرة  المشرفة .التي صلى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ومنها عرج إلى السماء

أمام هذا  الوضع المركب والمعقّد، والذي اختلط فيه الأمر على الفلسطينيين بين كونهم السكان الأصليين لهذه الأرض، وبين هذا الصراع الديني الذي يُفقد هويتهم  كل معانيها ويعتبرهم بشرا سكنوا أرضا ليست لهم وحدهم وإنما هي أرض مشتركة لأصحاب الديانات السماوية، وأمام صمت عالمي مطبق،  وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة هذا الاحتلال بشتى أنواع المقاومة.

المقاومة في الحالة الفلسطينية  هي واجب وحقّ وتتمثل في كل فعل ورد فعل قام به أبناء الشعب الفلسطيني بغية البقاء والصمود سواء كان ذلك داخل الأرض الفلسطينية أو في الشتات، وتنوّعت وسائل المقاومة الفلسطينية  وفقا لقدرات الأفراد والجماعات وضمن الظروف المحيطة بها، فحمل الفلسطينيون السلاح وقاموا بعدة ثورات ونفذوا مئات العمليات العسكرية، وخاضوا الاضرابات والاعتصامات، وأشعلوا الانتفاضات عدة مرات. كما لا يستثنى من المقاومة كل عمل أدبي أو فني قدمه الفلسطينيون بغية تعريف العالم بقضيتهم والحفاظ على تراثهم وهويتهم.

ومن أشكال المقاومة أيضا صمود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948،والمحتلةعام 1967 وتعاملهم مع ظروف الاحتلال القاسية ومع التمييز العنصري، ومع نتائج الاحتلال والاستيطان من مصادرة للأراضي والمياه و القيود على حرية الحركة وحرية العبادة وحرية العمل وحرية البناء، ومعاناة الحواجز والجدار والحصار الاقتصادي، والتضييق على الفلاحين والصيادين والعمال والتجار، والتعرض للأسر في السجون والمعتقلات وسوء المعاملة التي يتعرض لها الأسرى وذويهم، بالإضافة إلى الجو العام من الظلم والقهر المستمر.

وأيضا لجوء الفلسطينيين ومعاناة الغربة وطلب الرزق والهجرة من أجل الحصول على جواز سفر يعيد لهم كرامتهم الإنسانية وإصرارهم على الحفاظ على هويتهم الفلسطينية واحتفاظهم بمفاتيح المنازل والكواشين التي تثبت حقهوقهم في العقارات التي هُجّروا منها،  كلها أشكال رائعة من أشكال المقاومة أيضا.

ولقد نجح الفلسطينيون بمقاومتهم في البقاء والصمود رغم تحالف دول كثيرة عليهم، ورغم تخلي دول أخرى عنهم بأن يكوّنوا لأنفسهم صورة مشرّفة أمام العالم كله كشعب مقاوم لا يقبل الاستسلام أو التفريط في حقوقه وأرضه.

لكن ستبقى أهداف المقاومة هي البقاء والصمود ما لم تُطوِّر وسائلها لتنتقل إلى مرحلة التحرير، وهذا ما فعله الفلسطينيون بانشاء تنظيمات  هدفها تحرير فلسطين، وكان شعار كل هذه التنظيمات هو الكفاح المسلّح لتحرير كامل فلسطين، لكنها لم تنجح في تحرير أي شبر، ويعود ذلك لعدة أسباب داخلية وإقليمية سياسية وعسكرية، وظل السؤال مطروحا كيف يمكن تحرير فلسطين، فتحوّل مشروع التحرير الفلسطيني من التحرير الكامل إلى التحرير الجزئي لاستحالة الأول، فذهبت بعض الأطراف الفلسطينية إلى حل التفاوض، وتمسكت أطراف أخرى بأسلوب المقاومة المسلحة وتطوير قدراتها، وكانت النتيجة سلطة لا حول لها ولا قوة في الضفة الغربية، وشعب محاصر مع مقاومته داخل قطاع غزة، ولا تحرير في الأفق.

ولا يخفى على أي عاقل أن أي عملية تحرير، جزئية كانت أو كاملة لن تنجح إلا بامتلاك الطرف الفلسطيني ومعه العربي والإسلامي للقدرة العسكرية الضاربة والرادعة لجيش الاحتلال ولكل الجيوش التي ستقف إلى جانبه، وهذا الأمر ليس متوقعا لا في المدى القريب ولا البعيد.

لكن ما يهمني من طرح قضية التحرير هو العودة لأساس المشكلة، فلو افترضنا أنه رجحت كفة قوة الفلسطينيين والعرب والمسلمين في زمان ما وتمكنوا من تحرير فلسطين كليّا أو جزئيا، فهل هذا التحرير سينهي الصراع ولن يعاود الطرف المهزوم  محاولة احتلال فلسطين مرة أخرى عندما ترجح كفته مرة أخرى؟ أم ستبقى فلسطين محل صراع حتى يقوم طرف بإبادة الآخر أو حتى يجد العالم حلا لهذا الصراع من جذوره ويعيد الحق لأصحابه كاملا؟

ولانهاء الصراع على أرض فلسطين يجب العودة لجذور المشكلة وتحليلها وإيجاد الحل المناسب لها، وسأناقشها هنا على محورين، أولهما ديني والآخر قومي.

فإن كانت مشكلة فلسطين تتمحور على المحور الديني، فإنه لا يمكن لأصحاب أي ديانة أن يتنازلوا عن هذا الحق للديانة الأخرى وسيبقى الصراع مستمرا إلى الأبد، إلا إذا أباد فريق الفريق الآخر عن بكرة أبيه وهذا أمر مستحيل، وبما أنه لن تحلّ المشكلة بهذه الطريقة فعلى أصحاب الديانات الثلاثة الجلوس وإيجاد حل لهذه المعضلة، فلا يمكن أن يكون الله قد أعطى هذه الأرض لكل الديانات وجعلها أرضا يسفك البشر دماؤهم لأجلها إلى يوم القيامة، وجعل سكانها الأصليين يدفعون ثمن هذا الصراع، وإن لم يستطيعوا إيجاد حلّ مشترك  فليخوضوا حربا عالمية تنتهي بفوز طرف واحد وتنهي الصراع على هذه الأرض!

وطبعا هذا المحور سيجعل العقل يطرح السؤال التالي بقوة: هل حقّا جعل الله فلسطين أرض صراع ديني، أم هناك كذب بشري أدى لكل هذا الظلم وهذا السفك المتواصل للدماء؟

أما إن كانت المشكلة على المحور القومي فليس أسهل من إثبات أن الفلسطينيين هم السكان الأصليون لهذه الأرض وأن الروس والبولنديين والفرنسيين والهنود والأفارقة وغيرهم ليسوا إلا محتلين لها وعليهم تركها لأصحابها الأصليين.

أعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة، لكن نظريا وعمليا ﻻ يمكن إيجاد حل للصراع القائم على أرض فلسطين بناء على المحورين الديني والقومي معا، فهذه اﻷرض إما أرض لديانة أو أرض لقومية، وكل الحلول المشتركة غير قابلة للتطبيق. لكن سأختم هذه التدوينة بما بدأت به حتى أصل لما أصبو إليه، ففلسطين ليست كما زعم بلفور وطن  قومي لشعب يهودي، وإنما هي وطن قومي لشعب فلسطيني ولا يمكن حل هذه القضية على المحور الديني كما أراد لها الصهاينة  وبلفور ومن سار على خطاهم في العالم من العرب والمسلمين وغير العرب وغير المسلمين، فبكل بساطة لا يمكن لهذه الأرض أن تكون أرض صراع ديني وتحتمل كل هذا الظلم باسم الإرادة الإلهية، ولا يمكن أن يكون كل هذا الظلم إلا بإرادة بشرية، ولن يتمكن كل مفكرو العالم من انهاء هذا الصراع على المحور الديني، ولن تنتهي المشكلة إلا باثبات أنه لا وجود لصراع ديني على أرض فلسطين ,وأنه ليس أمام الجميع إلا العودة للمحور الإقليمي والكف عن تقديم الدعم اللامشروط لليهود في احتلالهم ﻷرض شعب آخر، وأنه يجب معاملة الشعب الفلسطيني باعتباره شعبا مثل كل شعوب هذا العالم التي تملك حق العيش في أوطانها بحرية وكرامة.

إن التحرير الجزئي أو الكامل ﻷرض فلسطين سيكون حلا مرحليا ولا ينهي الصراع، وعلى العكس تماما فإن انهاء الصراع سيحرر فلسطين تحريرا كاملا، وهنا أوجه نداء لكل عقل فلسطيني وعربي ومسلم وداعم للحريات في العالم لإعادة التفكير في أساس المشكلة  لكشف الكذبة التي جعلت من فلسطين أرض صراع بين البشر... وإلى ذلك الحين فليحتفظ الفلسطينيون بحقهم وواجبهم في المقاومة ولنفكّر جميعا في انهاء الصراع واعادة الحق كاملا غير منقوص للشعب الفلسطيني.





للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts