الاثنين، 7 فبراير 2022

علبة الرماد المقدس


كان جالسا يتأمل من النافذة بيتا في أعلى التلة يعود ﻷثرى رجل في البلدة واتساع اﻷراضي المحيطة به،ثم أدار رأسه وراح يُقلّب عينيه مزدريا جدران منزله وضيق حجراته. 


اتجه إلى صندوق كبير في زاوية الحجرة وأخرج قطعة قماش ملفوفة بعناية، فك القطعة وأخرج من بين طياتها مصاغا، ثم راح يتفحصه بذهن شارد، عندها دخلت زوجته وسألته: ما ذكرك بمصاغ والدتك؟ لماذا أخرجته من الصندوق؟


فأجاب: أنوي بيعه لأستثمر ثمنه في تجارة أزيد بها دخلي، وبعد فترة وجيزة سأضاعف حجم تجارتي وسأتمكن من شراء مزيد من اﻷراضي والمواشي، ومن بناء بيت جديد بدل هذا البيت المتهالك، وستصبح حايتنا وحياة أطفالنا أكثر رفاهية، سيصبح عندنا خدم وعمال وسيقصد الناس بابي لقضاء حاجاتهم المختلفة وما أدراكِ قد أصبح حاكما للمنطقة.


قالت الزوجة بتهكم: كل هذا من مصاغ والدتك القديم؟ 


فأجاب الزوج وما أدراكِ بالتجارة، وكيف يدرّ المال أموالا؟


فردت: نعم أنت أدرى بالأموال، لكن لا تنسى أن قيمة هذا المصاغ في ذكراه التي يحملها، لقد أهدته والدتك لنا في زفافنا، وقد تم توارثه في العائلة جيلا بعد جيل، فإن لهذا المصاغ مكانة خاصة وببركته نشأت بيوت وأنجبت وترعرع أبناء كُثُر.


فضحك مستهزئا وقال: أي بركة يا زوجتي، لا بركة إلا بركة المال،  سأبيع المصاغ  هذا قراري لا تراجع عنه.


عندها ردت الزوجة بحزم: بِعه لكن بشرط، لا يمكنني أن أعيش في بيت لا بركة فيه، لن أخاطر بمستقبل أطفالي من أجل أحلامك المالية.


فسألها الزوج وما هو شرطك؟


فأجابت: في رحلتك للمدينة لشراء البضاعة التي ستتاجر بها، خصص وقتا ومالا للذهاب للمعبد الكبير، وأحضر لنا علبة صغيرة من رماد الراهب اﻷعظم، سأخصص زاوية في البيت للعبادة، سأوقد فيها الشموع وأحرق البخور وسأضع علبة الرماد فوق صينية مزخرفة، وسأقيم الصلوات ليل نهار ليُحفظ هذا البيت وتناله البركة.


ابتسم الزوج وقال: حسن سأجلب لك رماد الراهب اﻷعظم ثم التفت وعاد ينظر عبر النافذة إلى بيت الرجل الثري في أعلى التلة. 


بعد أيام ودّع زوجته وأطفاله وراح في رحلة تجارية وفي جعبته مصاغ أمه وفي مخيلته أحلام الجاه والثراء.


بعد أسابيع عاد من سفره محملا ببضائع متنوعة، راح يخرج البضائع ويعرضها على زوجته ويقدر كم ستكون أرباح كل قطعة، ظلت الزوجة تنتظر أن يخرج علبة الرماد، لكنه لم يفعل.


فسألته: أين علبة الرماد؟


فأجاب متلعثما: أعتذر يا زوجتي الغالية، لم يبقَ معي من المال والزمن ما يكفي للذهاب للمعبد الكبير، أعدك أن أفعل في رحلتي القادمة، حينها سيكون معنا مال أكثر وسأخصص وقتا لهذا الغرض.


فأجابت الزوجة بصوت تملّكه الخوف: لقد مرض ابننا في غيابك ولم يشف إلا بعد أن ذهبت وأقمت الصلوات في أحد بيوت الجيران، أخشى أن يصيبنا ما هو أسوأ إن لم تحضر علبة الرماد.


فرد الزوج: لا تقلقي سأحضره في المرة القادمة.


وبعد أسابيع حمل الزوج ماله والربح البسيط الذي عاد عليه من بيع البضائع التي جلبها في رحلته اﻷخيرة ليذهب في رحلة تجارية جديدة.


وقفت الزوجة عند الباب تودع زوجها وقالت: لا تنسَ علبة الرماد


فأجاب بشكل قطعي: بالطبع لن أفعل وغادر مسرعا.


بعد أسابيع عاد الزوج ولم يحضر علبة الرماد، عندها انفجرت الزوجة غاضبة: هذه المرة وقعت ابنتنا في حفرة عميقة وكادت أن تموت، أنت تُعرضنا للخطر باستهتارك، في المرة القادمة إذا عدت دون أن تحضر علبة الرماد، سأترك البيت ولن تجد من يرعاك ويرعى بيتك وأطفالك وربما أقتل نفسي، فلن أحتمل حياة لا طمأنينة ولا بركة فيها.


فأجاب الزوج حتما سأفعل، لا تقلقي.


ذهب الزوج في رحلة جديدة، وبعد أسابيع وهو على مشارف البلدة تذكر أنه لم يحضر علبة الرماد، وأن زوجته ستنفجر غاضبة وهو في غنى عن كل ذلك،  فتوقف ليفكر في حل، فلفت انتباهه وجود عظام كلب نافق على قارعة الطريق، لم يفكر طويلا، أوقد نارا وحرق عظام الكلب، ثم أخرج من متاعه علبة جميلة ووضع فيها بعضا من رماد عظام الكلب، ثم اتجه مسرعا نحو بيته.


كانت الزوجة تترقب وصوله، وما أن رأته يقترب من البيت حتى خرجت مسرعة لاستقباله ولتتأكد من أنه أحضر علبة الرماد، فأدرك ذلك مباشرة ولوح لها من بعيد بالعلبة، فهرولت نحوه مسرعة وأخذت العلبة بلهفة وراحت تقبلها وقالت ودموع الفرح تنهمر من عينيها شكرا يا زوجي، هكذا لن تغادر البركة بيتنا سأبقى وفية لك طول العمر راعية لك ولأطفالك ووبيتك ما حييت.


فأجاب: ما أروعكِ من زوجة، وما أكثر بركة هذا الرماد.




ملاحظة: هذه القصة قرأتها منذ مدة طويلة على أحد المواقع وكانت باللغة الفرنسية مترجمة عن لغة أخرى، لكني لم أعثر عليها بعدها، أعدت صياغة القصة وأجريت بعض التعديلات دون التغير على الفكرة الرئيسية منها.


إن كان أحد القراء يعرف مصدر القصة اﻷصلية فليضع اسمها  أو رابط لها في التعليقات مع الشكر.