السبت، 11 أغسطس 2018

موشيه دايان لص اﻵثار الذي سرق آلاف القطع اﻷثرية الفلسطينية والمصرية


مدينة دير البلح تقع جنوب مدينة غزة وهي مدينة عريقة جدا وبها الكثير من المواقع الأثرية، ويعتبرها من أسقطوا الرواية التوراتية على جغرافيا فلسطين من المناطق التي كانت خاضعة للفلسطينيين الذي قدموا من البحر واستوطنوا هذه الأرض.


بعد حرب الأيام الستة قامت عالمة الآثار الصهيونية ترود دوثان من الجامعة العبرية بالتنسيق مع وزارة الدفاع على دراسة  موقع دير البلح اﻷثري على مدى سنوات، وقد كشفت في تقاريرها عن كثير من الآثار الثمينة التي تم العثور عليها في هذا الموقع.

ترود دوثان

موقع دير البلح اﻷثري

هذه الآثار تشمل: عشرات من التوابيت الطينية ذات غطاء على شكل وجه وهي شبيهة جدا بالتوابيت المصرية القديمة. هذه التوابيت شبيهة بتوابيت أخرى تم العثور عليها في مطلع القرن العشرين في بيسان، وأخرى تم العثور عليها في تل الفرح جنوب قطاع غزة وفي تل دوير جنوب غرب القدس، ومؤخرا في زرعين في مرج ابن عامر وسحاب قرب العاصمة الأردنية عمان
أحد توابيت دير البلح



توابيت دير البلح



واحد من توابيت بيسان

غطاء تابوت عُثر عليه في تل الفرح جنوب غزة
تابوت عُثر عليه في زرعين في مرج ابن عامر

غطاء تابوت عُثر عليه في سحاب جنوب عمّان




تم العثور أيضا في زرعين في مرج ابن عامر شمال  فلسطين على ختم من العقيق كان موضوعا على خاتم من ذهب، الختم عليه رسومات ونُقش عليه إسما آمون رع ورمسيس الثاني.

ختم من العقيق


وفيها أيضا تماثيل أوشبتي وهي تماثيل تشبه المومياوات كانت توضع في المقابر المصرية القديمة بملامح تشبه  ملامح المتوفى.
تمثال أوشبتي





وفي مقابر الموقع عُثر على تابوت كان به هيكلان عظميان لرجل وامرأة متعانقان، وأطلق على هذا التابوت إسم تابوت روميو وجولييت، وقد احتوي على قلائد ومعلقات ذهبية عى شكل سعف النخيل، ومجوهرات من الذهب والعقيق والخرز والمرمر، وملعقة كانت تستخدم للتجميل على شكل فتاة عارية تسبح، وهي شبيهة بمعالق تحمل ذات الشكل وتم العثور عليها في أماكن مختلفة من مصر.


تابوت روميو وجولييت
من محتويات القبر

ملعقة مصرية قديمة


كما عثر على قطع من ابو جعل أو الجعران المصري القديم وهي قطع من السيراميك 
خضراء اللون عل شكل خنفسة الروث كان قدماء المصريين يصنعونها للزينة.
أبو جعل



هذا الموقع الأثري يعود للفترة ما بين القرنين الثالث عشر والحادي عشر ق.م أي للفترة التي يزعم فيها التوراتيون والصهاينة حدوث خروج لبني إسرائيل من مصر وغزو لأرض كنعان.


عبر مشاهدة هذه الآثار يمكن بكل بساطة إيجاد العلاقة التي تربط هذه الآثار بمصر  القديمة.
 يقول كثير من علماء الآثار الصهاينة ويؤيدهم في ذلك كثير من علماء الآثار  الغربيون، أن فلسطين كانت تابعة لمصر القديمة وأن عاصمتها الإدارية كانت في غزة. وبالتالي فإن قصة الخروج تصبح قصة مستحيلة!



سواء كانت هذه التوابيت لموظفين مصريين من الطبقة الحاكمة أو كانت لأثرياء من المنطقة فهي من دون شك تؤكد تلك العلاقة بين هذه المنطقة ومصر القديمة بالإضافة إلى أن وجود توابيت أخرى جنوب القدس وفي بيسان ومرج ابن عامر وقرب العاصمة الأردنية، في نفس زمن الخروج والغزو الإسرائيلي يجعل من حدوث القصة التوراتية في هذه المنطقة أمرا مستحيلا. 


لكن لقصة موقع دير البلح جانب آخر، فدير البلح ليست فقط شاهدة على تاريخ مختلف، ولكنها أيضا شاهدة على إحدى أكبر حوادث سرقة الآثار التي عرفتها المنطقة والتي قام بها رئيس الأركان الصهيوني في العدوان الثلاثي ووزير الدفاع في حرب 67: موشيه ديان. 

موشيه دايان




يقول موشيه دايان في كتابه الحياة مع الكتاب المقدسّ: لم أكن مطمئنا فقط بإسرائيل التي أستطيع أن أراها وألمسها، لكني أتوق لإسرائيل الآيات الخالدة وأسماء الكتاب المقدّس وأردت أن تصبح ملموسة أيضا" 

من كتاب موشيه دايان


المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض وثق أن الاحتلال الإسرائيلي دخل في عام 1956 لشهور قليلة واحتل القطاع، وأول ما فعله البحث عن الآثار وسرقتها، وبعد عام 1967 أصبحت هذه السرقات سياسة ينتهجها الاحتلال. 


من توابيت دير البلح




كان موشيه ديان يقوم بالحفر بنفسه، وقد سرق عشرات الآلاف من القطع الأثرية من مختلف المناطق في فلسطين، وأكبر كمية من المسروقات جمعها من سيناء في الفترة التي تلت حرب 67، وكان موشيه ديان يستغل منصبه كوزير للدفاع فقد استخدم سلاح الجو في مهمة أطلق عليها إسم عملية الحجر لنقل مسلّات مصرية من سيناء إلى حديقة منزله ، التي كان يفتخر بأنها تجمع هذا الكم الهائل من القطع الأثرية. 


موشيه دايان في حديقة منزله التي تعجّ باﻵثار المسروقة



ومن الصور الشهيرة التي تجمع موشيه ديان ببن غوريون صورة بن غوريون وهو يزور ديان في المستشفى بعد تعرض للإصابة أثناء قيامه بعمليات حفر من منطقة يازوْر قرب يافا، وله صورة تم نشرها في مجلة التايم الأمريكية تجمعه بتوابيت دير البلح.

بن غوريون يعود دايان في المشفى بعد تعرضه للإصابة أثناء عمليات حفر لسرقة آثار


وله صورة تم نشرها في مجلة التايم الأمريكية تجمعه بتوابيت دير البلح. 





يقول عالم الآثار الإسرائيلي “أفيس غورون” المسؤول عن الحفريات في سيناء بين عامي 1978 و 1982 “أن موشي دايان كان يعطي الأوامر بالتدمير الكامل للمواقع الأثرية بعد سرقتها بحيث يستحيل تقويم الأهمية التاريخية لهذه المواقع، ويحمّل كثير من علماء الآثار عالمة الآثار ترود دوثان التي كانت مسؤولة عن التنقيب في دير البلح المسؤولية الأخلاقية عن ما حدث من تخريب ونهب في الموقع بصفتها عالمة آثار كان الأجدر بها أن تخبر بشكل محايد وموضوعي عن ما حدث في دير البلح بدل التغاضي عنه وقد سمى البعض ما حدث بفضيحة دير البلح. 

موشيه دايان




بعد وفاة موشي ديان عام 1981 باعت زوجته قسماً من الآثار المسروقة لمتحف إسرائيل بقيمة مليون دولار، فيما وهبت القسم الآخر للمتحف أيـضاً وسمّته “مجموعة موشي دايان الأثرية” تحت عنوان (عودة الإنسان إلى وطنه) ضمت نماذج مما سرقه من مختلف المناطق الفلسطينية والمصرية ومن بينها 22 تابوتا من دير البلح. بالطبع الإسم الذي أطلق على المجموعة يوضح التوظيف السياسي والفكري والتاريخي لهذه السرقة، وقد أثار ذلك سخط وسخرية الآثاريين الإسرائيليين ومن بينهم أمينة متحف إسرائيل السابقة رفقة مرخاف ، التي قالت بسخرية هل دير البلح وطن ديان؟ كان الأجدر أن تسمى المجموعة آثار الفلسطيني في وطنه. 

من كتاب "ما بين الماضي والحاضر" لنيل سيلبرمان


وقد سخر اهارون كمبيسكي أحد الأثاريين الإسرائيليين من عرض المسروقات في متحف إسرائيل بالقول :هذا من اغرب الأمور التي تحدث في دولة إسرائيل، فبدل من أن تذهب المسروقات إلى مركز الشرطة، ذهبت إلى متحف إسرائيل. 

توابيت دير البلح


ومؤخرا عُرض في 'متحف إسرائيل' في القدس تابوتان مصريان من خشب الجميز، كانا بحوزة موشيه ديان، وظلا لسنوات في أقبية المتحف، إلى حين تم ترميمهما وعرضهما في المتحف. 


تابوتان مصريان قديمان كانا بحوزة موشيه دايان


هذه اﻵثار تروي قصة هذه المنطقة ، وهي قصة مختلفة حتما عن القصة التوراتية التي أُسقطت عليها.

في انتظار إعادة كتابة تاريخ المنطقة بناء على آثارها....




مصادر: 


















الثلاثاء، 8 مايو 2018

القدس ليست عاصمة مملكة سليمان

بعد عقود من التنقيب في القدس بحثا عن أي دليل يؤكد الراوية التوراتية  التي قام عليها احتلال مدينة ، القدس وكل فلسطين، فشلت كل أعمال الحفر في العثور على أثر واحد لهيكل سليمان ولا حتى ﻷية بقايا تعود لمدينة يُفترض أنها كانت عاصمة المملكة الموحدة العظيمة التي تصفها أسفار التوراة.

تقول الدكتورة الباحثة من جامعة ليدن في هولندا، مرغريت شتينر في   تقريرها عن  النشرات النهائية لتنقيبات فريق عالمة اﻵثار البريطانية كيثلين كينيون في القدس وحملات التنقيب الرئيسية الثلاثة اﻷخرى التي شهدتها القدس بين 1961 و1985: "يجب إعادة كتابة تاريخ القدس، بشكل يتناسب مع  استيعابنا التدريجي للسجل الأثري ، فما يتم العثور عليه  من أدلة  يُشكك في افتراضات قديمة جدا حول تاريخ المدينة. وهذا ينطبق بشكل خاص على الفترات الثلاث التي كانت ولا زالت موضع نقاش وجدال: العصر البرونزي المتأخر، العصر الحديدي الأول وبداية العصر الحديدي الثاني. تاريخ هذه الفترات حساس جدا ﻷنه  في نهاية المطاف يتعلق بتاريخية العهدين المجيدين لداود وسليمان  (على اﻷقل وفقا للكتاب المقدس) ووجود النظام الملكي الموحد لإسرائيل."

سأستعرض في السطور التالية أهم ما جاء في تقرير مرغيت شتينر والنتيجة التي وصلت إليها استنادا على المنطق وعلى اللقى اﻷثرية .

اهتمت شتينر بتحليل اللقى اﻷثرية المرتبطة بالعصور التالية:


1- العصر البرونزي المتأخر (1550-1200 قبل الميلاد) وهو الفترة التمهيدية التي سبقت إسرائيل، وكان مسرحها منطقة التلال في فلسطين (المقصود الضفة الغربية). 


2- العصر الحديدي الأول (1200-1000 قبل الميلاد)، ما يُعرف بـفترة القضاة في المصطلحات الكتابية، هو حقبة ما قبل اتحاد القبائل الإسرائيلية ال 12 . 


3- بداية العصر الحديدي الثاني الذي يوافق فتح داوود ﻷورشليم حوالي 1000 قبل الميلاد. وفترتي حكم داوود وسليمان  التي دامت كل  واحدة منهما 40 عاما وفقا للكتاب المقدس .


فتطرح الباحثة التساؤلات التالية:

ما هو الحال الذي كانت عليه القدس في الفترة التي سبقت ظهور إسرائيل؟ ماذا الذي كانت عليه خلال فترة ال 200 عام من فترة القضاة، والتي وفقا للكتاب المقدس، لم تكن إسرائيل قادرة فيها على الاستيلاء على أورشليم؟ (على الرغم من أن الإسرائيليين غزوا المدينة، على ما يبدو لم يتمكنوا من الاحتفاظ بها (القضاة 1 :8 و حارب بنو يهوذا أورشليم و اخذوها و ضربوها بحد السيف و اشعلوا المدينة بالنار)، وما مدى تاريخية فتح داوود المثير للقدس؟ هل كان ثمة مدينة خلال الفترة المفترضة لحكمي داوود وسليمان؟



تقول شتينر : "أدى الإخفاق في نشر أدلة من الحفريات الكبيرة التي أجريت في القدس منذ عام 1960 إلى ظهور مشاكل خطيرة بالنسبة للباحثين الراغبين في دراسة القدس في تلك الفترات.  فقد توفي مدراء حملات الحفريات الأربعة الرئيسية دون كتابة تقارير نهائية. 

وهذه الحملات اﻷربع هي على التوالي:


1- بين 1961 و 1967 كاثلين كينيون نقبت في التلة الجنوب شرقية المعروفة باسم مدينة داود، وهي تمثل أقدم جزء مأهول من القدس. 



2- في الفترة من 1968 إلى 1978، بعد حرب الأيام الستة، حفر بنيامين مازار جنوب جبل الهيكل في المنطقة المعروفة باسم أوفل (تل الظهور). 



3- نحمان أفيغاد نقب في الحي اليهودي في المدينة القديمة من 1969 إلى 1983.

4- يغال شيلوه نقب في مدينة داود من عام 1978 إلى عام 1985.



قامت لجنة باسم المدرسة البريطانية للآثار في القدس بتخصيص جزء من مواد الحفر إلى البروفسور هـ. فرانكن من جامعة ليدن، الذي طلب مرغريت شتينر الانضمام إليه للعمل كمساعد باحث.

مرغريت شتينر



شملت المواد المرسلة إلى ليدن الوثائق الميدانية وقطع الفخار  من المواقع التي نقبت فيها كينيون وكان على شتينر  أن تعد تحليلا علميا، لتحديد تاريخ القطع الفخارية وكتابة معالجة تاريخية للنتائج.

 وهذا تطلب دراسة مكثفة ليس فقط لمواد تنقيبات كيثلين كينيون، ولكن لكل ما هو متاح من التنقيبات الأخرى.



تاريخ القدس في العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي يقوم عادة على تحليل المصادر المكتوبة - الكتاب المقدس وبعض النصوص والوثائق الأثرية، مثل رسائل تل العمارنة التي تعود للقرن 14 ق.م، ثم يتم توظيف المواد الأثرية لتوضيح وتأكيد هذه الصورة. لكن مرغريت شتينر قررت التحرك في الاتجاه المعاكس، وأن تكون البداية من اللُقى  اﻷثرية وليس من النصوص.


تقول شتينر في تقريرها:
"معظم مواد العصر البرونزي المتأخر التي تم العثور عليها في القدس كان مصدرها من مقابر، وخاصة مقبرة في جبل الزيتون التي احتوت على مئات من الأواني، أغلبها محلية الصنع، ومن حفرة جنوب المدينة، التي احتوت بعض الفخار والجعران".

وتضيف وبشكل حازم وجازم: " لكن لم يتم العثور على أي بقايا لبلدة، ناهيك عن مدينة، من أي وقت مضى: لا أثر ﻷسوار ، ولا بوابات، ولا منازل. ولا قطعة معمارية واحدة. ببساطة لا شيء!"




أما عن رسائل تل العمارنة التي يُفترض أن تاريخها يعود للقرن 14 ق.م ويُعتقد أن ستة خطابات منها تعود لحاكم اسمه عبدي هيبا ويذكر فيها مكانا اسمه أوروساليم يعتقد بعض العلماء أنها كانت عاصمة دولة  أو على الأقل المدينة المركزية لمنطقة كبيرة.


تناقش شتينر في تقريرها الحجج التي قدمها الباحث ناداف نعمان في مقالة  في مجلة علم الآثار التوراتي حول رسائل تل العمارنة والتي حاول فيها  باستخدام المماثلة إثبات أن القدس يجب أن تكون أيضا مدينة مزدهرة في القرن 10 ق.م  أي خلال فترتي حكم داوود وسليمان.

أي  طالما  أن أوراساليم مذكورة في رسائل تل العمارنة في القرن 14 ق.م رغم عدم وجود بقايا آثار لهذه المدينة في القدس فهذا دليل على أن أورشليم (داوود وسليمان) القرن 10 ق.م كانت موجودة رغم عدم وجود  بقايا آثار لها. أي أن اﻷدلة اﻷثرية السلبية ليست أدلة سلبية (أدلة نفي) لأحداث وردت في نصوص.


باستخدام المنطق تتساءل شتينر: " ماذا يمكننا أن نقول عن حقيقة أن لدينا رسائل تل العمارنة التي بعث بها حاكم يعيش في أوروساليم في القرن 14 قبل الميلاد. في ظل انعدام أدلة  لأي استيطان في القدس؟


فتضع الاحتمالات التالية:

هناك ثلاثة تفسيرات محتملة فقط لماذا لم يتم اكتشاف أي عصر برونزي متأخر في القدس: (1) لم يتم التنقيب بما يكفي في القدس. (2) كل ما بقي من آثار قد تآكلت أو ردمت في العصور القديمة. (3) لا يوجد آثار أساسا.



وتجيب شتينر في تقريرها على الاحتملات الثلاث في تقريرها تباعا:

1- يمكن بسهولة إقصاء الاحتمال الأول. فقد تم حفر أربعة خنادق كبيرة في أربع تنقيبات رئيسية في منحدرات مدينة داود، حيث اتفق الجميع على أن المستوطنة القديمة يجب أن تكون موجودة بسبب قربها من نبع جيجون (نبع أم الدرج)، وهو مصدر المياه الوحيد المتاح في ذلك الوقت. وتشمل هذه الحفريات الأربعة، بترتيب زمني، الخندق الكبير الذي حفره ريموند ويل قبل الحرب العالمية الأولى. خندق كروفوت على المنحدر الغربي (الخنادق الأخرى كانت على المنحدر الشرقي بالقرب من نبع جيجون)، حفرت بين الحربين؛ وخندق كاثلين كينيون حُفر في 1960 ؛ وخندق ييغال شيلوه  حفر في السبعينات والثمانينات. وقد تُقبت هذه الخنادق إلى الطبقة السفلى. ومع ذلك لم يتم العثور على عمارة الفترة البرونزية المتأخرة في أي منها. وكانت شقوق الفخار من هذه الفترة ضئيلة إلى معدومة.


وبالإضافة إلى ذلك، تم حفر العديد من الخنادق العميقة في المدينة القديمة وحولها، وكلها أسفرت عن نتائج سلبية مماثلة

وهذا هو أكثر من كاف لتحديد ما إذا كان هناك أو لم يكن هناك مدينة في العصر البرونزي في القدس.

مناطق الحفر والتنقيب في القدس



2- أما عن احتمالية ردم البقايا اﻷثرية لتلك الفترة تقول شتينر أن المشكلة  هي أنه إذا كانت هناك مدينة من أي حجم موجودة في مكان ما بالقرب من نبع جيجون، فإن الكثير من القطع الفخارية من تلك المستوطنة كانت ستبقى موجودة. حتى لو كانت البقايا المعمارية قد تم ردمها لسبب ما، فقد تم استرجاع قطع من العصر البرونزي المتأخر من العديد من الخنادق الكبيرة التي تم حفرها.  كما أن هناك هناك وفرة في قطع من أوان خزفية من بدايات العصر البرونزي الأوسط ومن العصر الحديدي الثاني.


وبالتالي فإنه من الصعب التصور أن ليس فقط البقايا المعمارية، ولكن أيضا بقايا الفخار وغيرها من اللقى الصغيرة الصغيرة قد اختفت جميعا، وخاصة أن آثار  العمارة وقطع الفخار  من العصر البرونزي الأوسط (2200-1550 قبل الميلاد)، ظلت موجودة. 



أما الاحتمال الثالث: فالمنطق يستوجب أن سبب عدم العثور  على  أي أثر لمدينة العصر البرونزي المتأخر رغم كل تلك الحفريات المكثفة هو أن لم  تكن هناك مدينة في العصر البرونزي المتأخر أساسا.



وبخصوص رسائل تل العمارنة تقول شتينر:  ربما أوروساليم لم تكن مدينة كبيرة على الإطلاق. ربما كانت "أرض أوروساليم" تشير ببساطة إلى مجال ملكي للفرعون، الذي كان عبدي-هيبا خادما عنده. ربما عاش عبدي هيبا في منزل محصن في مكان ما بالقرب من نبع جيجون.




وفي مقارنة بين نصوص الكتاب المقدس واللقى اﻷثرية تقول شتينر: " المصادر التاريخية للعصر الحديدي الأول (1200-1000 قبل الميلاد)،  هي فقط أسفار الكتاب المقدس، ومعظمها كانت مكتوبة في وقت لاحق من ذلك بكثير. واستنادا إلى الروايات التوراتية، فإن الصورة التقليدية لأورشليم في هذه الفترة هي أنها بلدة صغيرة محصنة جيدا يسكنها اليبوسيون، وهي مدينة أو مركز دولة  مستقلة. وفقا لقصص أسفار صموئيل والملوك والأخبار، هذه المدينة الصغيرة تمت السيطرة عليها من قبل الملك داود، الذي حولها إلى عاصمة الملكية المتحدة في إسرائيل. وقام خليفة داوود، الملك سليمان، بتوسيع المدينة وبناء العديد من القصور وهيكل كبير. ويصف الكتاب المقدس أورشليم كمدينة جميلة، عاصمة الإمبراطورية الكبيرة والثرية.




ثم تشرح الباحثة أن الدراسات اﻷكاديمية بدأت تقوض هذه الصورة:

فالوضع الأثري الذي  في العصر البرونزي المتأخر هو ذاته ظل قائما في العصر الحديدي الأول: فهناك القليل جدا من الأدلة الأثرية على وجود مدينة  في العصر الحديدي الأول أو في 1000 قبل الميلاد،

وتضيف: "ما يمكن أن نقوله، من الناحية الأثرية، هو أنه في وقت ما في القرن العاشر أو أوائل القرن التاسع قبل الميلاد، أصبحت القدس مدينة صغيرة، تحتلها مبانٍ عامة. ولم تغطِ أكثر من 30 فدانا، بما في ذلك منطقة جبل الهيكل. ولم يكن فيها أكثر من 2000 شخص.  ومن غير المحتمل أن تكون هذه القدس عاصمة دولة كبيرة، مثل أورشليم عاصمة الملكية المتحدة.





ولتتبع تاريخ القدس منذ البداية يمكن استعراض المكتشفات اﻷثرية:

- العصر البرونزي المبكر (3000-2300 ق.م) : بعض المقابر الصخرية ومبنى صغير، ربما ضريح

- العصر البرونزي الوسيط (2300-2000 ق.م) : العديد من القرى الزراعية تم العثور عليها بالقرب من القدس، على طول الوديان، على الرغم من أن الموقع نفسه غير مستوطن. ومع ذلك، تم العثور على مقبرة مع أحد عشر قبرا  على جبل الزيتون.

- بداية العصر البرونزي الأوسط، حوالي 1800 قبل الميلاد: بلدة بنيت على تلة جنوب شرق، وهي ما يعرف الآن باسم مدينة داود

 - النصف الثاني من العصر البرونزي الأوسط (1700-1550 ق.م) : لا توجد بقايا معمارية ولا فخارية. لأسباب غير معروفة، المدينة ببساطة توقفت عن الوجود بعد مجرد 100 سنة.


- العصر البرونزي المتأخر (1550-1200 ق.م)، المقابر فقط تشهد على وجود البشر في المنطقة. ولكن لم يتم العثور على أي بقايا في أي مكان بالقرب من نبع  جيجون تؤكد ما تذكره رسائل تل العمارنة حول أوراساليم.



- العصر الحديدي الأول (1200-1000 ق.م)، تم العثور على بناء مدرج ولم يتم العثور على بقايا بلدة من هذه الفترة.




أي لا وجود لبلدة حتى يستولي عليها   داوود ولا أثر لعاصمة أو مدينة كبيرة بنى فيها سليمان هيكله وقصوره العظيمة.



ما اكتشفته الدكتورة مارغريت شتينر من خلال دراستها لمنشورات حملات التنقيب في القدس انطلاقا من اللقى اﻷثرية وليس من النصوص، هو أن آثار القدس تؤكد أنه لم يكن في القدس مدينة في القرن العاشر ليفتحها داوود ولا بقايا لمدينة من أي حجم في الوقت المفترض لمملكة سليمان.

وبما أنه لا يمكن إزاحة المجال الزمني ﻷحداث التوراة التي تم اسقاطها على جغرافيا فلسطين والمنطقة إلى عصور أقدم ولا إلى عصور أحدث، فالاحتمالات المتاحة لحل هذه المشكلة محدودة:

- إما أن أحداث التوراة هي أحداث أسطورية
- أو أنها أحداث بعضها تاريخي لكن حدثت في جغرافيا أخرى لا علاقة لها بفلسطين

والثابت أن القدس لم تكن عاصمة إسرائيل القديمة، فلماذا عليها أن تكون عاصمة لدولة إسرائيل القائمة على مزاعم تنسفها كل اﻷدلة العلمية؟