الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

تدبّر القصص في القرآن : التدوينة 1: عبور موسى عليه السلام ومن معه البحر



بسم الله الرحمن الرحيم



"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" 82- النساء

"إنَّ هَذا الْقُرآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إسْرِائيلَ أَكْثَرَ الّذي هُم فيهِ يَختلِفونَ" 76 - النمل

في هذه المجموعة من التدوينات سأقوم بتدبّر بعض القصص من القرآن ومن القرآن وحده، وهذا النوع من
 التدوينات موجّه لمن يؤمنون بالقرآن كتابا سماويا، لا اختلاف ولا تعارض فيه، وأنّه لا يحتاج لغيره من الكتب لشرح و توضيح قَصصه.

كما سأسعى إن شاء الله في وقت لاحق إلى كتابة مجموعة أخرى من التدوينات في نفس الموضوع لكن بطريقة موجهة لجمهور أكبر.

يدفعني لهذا النوع من التدوينات عدة أسباب، أهمها:


  • أن كثيرا من القصص التي نقلها لنا الأوّلون تلتقي في مضمونها مع روايات قادمة من مصادر أخرى مثل ما اصطلح عليه "الإسرائيليات" وتتعارض مع ما جاء في القرآن ورغم ذلك يتعامل معها كثيرون على أنها مقدسات لا لُبس فيها


  • أن مسرح أحداث القصص في القرآن لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى فلسطين، بل يشير إلى مسرح آخر، وسأسعى من خلال هذه السلسلة من التدوينات إلى اثبات ذلك وسأحاول كشف المسرح الحقيقي، إن وفقني الله إلى ذلك.


  • إثبات أن أرض فلسطين ليست محل أي صراع ديني، وأن ملكيتها تعود لأهلها الأصليين ولا يحق لأيّ كان المطالبة بحق مزعوم فيها.


  • رفض ابقاء الصراع القائم على أرض فلسطين بطبيعته الحالية غير القابلة للحل وايجاد مساحة فكرية جديدة لتكون أرضا خصبة لحل دائم يعيد الحق لأصحاب الأرض الأصليين كاملا بلا انتقاص.

أعلم أن فئتين من الناس لن تروق لهم تدويناتي، الأولى لا تعترف بالقرآن كتابا سماويا، وهذه التدوينات ليست موجهة لها، والثانية تؤمن أن القرآن كتاب الله لكنها تعتقد أنه يحتاج لغيره لتوضيح معانيه، وهذا برأيي ما لا يمكن قبوله، فقد قال الله سبحانه وتعالى في مطلع سورة هود "الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"، وفي الأية 62 من سورة آل عمران: "إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".

وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن القبول باقحام البعض لحيدث مرفوع وضعيف عن منح رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيت لحم في فلسطين لتميم الداري اللخمي (وهو من قبيلة لخم اليمنية، وقد كان نصرانيا ثم أسلم) للاستدلال أو اثبات أي شيء يتعلق بأي مرور أو حق لبني اسرائيل (ثم اليهود من بعدهم) بفلسطين لتناقض الرواية وغرابة محتواها: "قال عكرمة لما أسلم تميم قال: يا رسول الله, إن الله مظهرك على الأرض كلها, فهب لي قريتي من بيت لحم, قال: هي لك وكتب له بها, قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر, فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه"!( المصدر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : http://bit.ly/12KuoAX )

وأنصح الفئة الثانية قبل رفض هذا النوع من التدوينات، قراءة محتواها، واعادة النظر في قدرة القرآن الإعجازية والبلاغية في ايصال المعنى كاملا وبمنتهى الدقة دون الحاجة لأي مساعدة.

كنت قد كتبت بعض التدوينات بآلية بحث محددة، وسأعتمدها نفسها في القادم من التدوينات، وهي تقوم على:


  • تحديد القصة المراد البحث عنها وتدبّرها.


  • ايجاد كل الآيات القرآنية التي تتحدث عن القصة باستخدام محركات البحث في القرآن وبتحديد الكلمات المفاتيح اللازمة لذلك، ففي هذه التدوينة مثلا الكلمات التالية هي من مفاتيح البحث: موسى، بني إسرائيل، فرعون، مصر، البحر، اليمّ ...


  • تجميع كل الآيات، وقراءتها بتمعّن، وترتيبها حسب أحداث القصة، للحصول على أكبر كم من التفاصيل وتمكين ربطها.


  • استخدام معاجم اللغة العربية ، وهي متاحة الكترونيا، لشرح معاني الكلمات التي يصعب فهمها ويمكن الاستفادة من هذا الموقع في ذلك: http://www.baheth.info.


  • التعامل مع أسماء الأعلام والأماكن والقصص بتجرّد تام ودون السماح لأي معلومة سابقة أو قصة أن تفسد هذا التدبّر، والتعامل مع النص القرآني على أنه المرجع الوحيد للقصة، وسيتبيّن سبب هذا النهج لاحقا.


  • تدبّر القصة القرآنية ومحاولة فكّ رموزها واستنباط ما تحمله الكلمات بين طيّاتها من معان بتمعّن شديد ورسم الاطار العام لها واستنتاج كل ما يتعلق بظروفها الزمانية والمكانية والبيئية والاجتماعية وغيرها من المجالات.

سأحاول في هذه السلسلة من التدوينات اكتشاف الأماكن أو وضع احتمالات للأماكن التي يمكن أن توافق الوصف والأحداث الواردة في القصص، وهذا اجتهاد قد أصيب فيه وقد أخطئ، لكني سأتقصى النهج العلمي وسأتزوّد بالدليل والحجّة فيما سأورده وأسأل الله التوفيق والتمكين في ذلك.

التدوينة الأولى سأخصصها لقصة سيدنا موسى وبني إسرائيل عندما جاوز الله بهم البحر وأغرق فرعون وجنوده في اليمّ وسأكتفي بالشقّ الذي يبدأ من لحظة الخروج ليلا إلى لحظة الوصول إلى الجهة الأخرى من البحر.

سيتساءل البعض عن جدوى هذا البحث في حين أنه من الثابت لدى أغلب الناس أن موسى عليه السلام كان يعيش في مصر (جمهورية مصر حاليا) ولحقه فرعون ملك مصر حينها، وضرب موسى عليه السلام عصاه عند البحر (ويعتقد أغلب الناس أنه البحر الأحمر) وعبر ومن معه إلى سيناء وغرق فرعون وجنوده هناك، والإجابة كما ذكرت فيما سبق أنه يجب التعامل مع النص بتجرّد من جهة ومن جهة أخرى فإن التمعّن في تاريخ التسمية يؤكد لنا أن بلاد القبط حصلت على اسم مصر بعد فتح عمرو بن العاص لها وليس قبله، فكان أهلها أقباطا ولم يكونوا مصريين. فقد روت لنا كتب الأثر عن النجار القبطي الذي أصلح الكعبة قبل الإسلام ولم تصفه بالمصري (المصدر تاريخ الطبري : http://bit.ly/12KthkR) ، والرسول صلى الله عليه وسلم خاطب المقوقس بعظيم القبط ولم يصفه بعظيم مصر (المصدر: الرحيق المختوم : http://bit.ly/12KvgFQ) ، وأم المؤمنين مارية كانت قبطية ولم تكن مصرية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها هذه الصفحة من كتاب الأنساب للسمعاني التي تذكر كثير من الأقباط: http://bit.ly/12Kx8OX ).
فلو كانت مصر المقصودة في قصة سيدنا يوسف هي بلاد القبط كما كان يعرفها العرب قبل الفتح لقال الله في كتابه "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ" القبط وليس مصر أو قال في قصة سيدنا موسى "اهْبِطُوا" أرض القبط وليس مصرا. 

أما بالنسبة لكلمة فرعون فإننا "لا نجد دليلا واحدا في خرطوش واحد من الخراطيش الملكية التي تحمل أسماء الملوك يشير إلى ذلك اللقب " بر - عا " ( المصدر ويكيبيديا: http://bit.ly/127Yhrv ) أي فرعون. لكن لأن القرآن والعهد القديم ذكرا أن فرعون كان ملكا على مصر التي أُسقط اسمها على بلاد القبط فأصبح الفرعون اسما لكل ملوك بلاد القبط (مصر الحالية)، في حين أنه لا دليل في كل الآثار على ذلك.

ورغم عدم وجود هذ الكلمة في كل الآثار إلا أن الحضارة القبطية العظيمة صار اسمها الحضارة الفرعونية.

وسأكون سعيدا بمن سيثري هذه التدوينة بمصدر في الكتب والآثار يشير إلى استخدام الكلمة الثلاثية "م ص ر" أو "MISR" وليس القبط "Egypt" قبل فتح عمرو بن العاص واقامته فسطاط مصر، أو دليل واحد على وجود كلمة فرعون في الآثار القبطية (المصرية حاليا).


العبور هو أحد أهم الأحداث في التاريخ التي لها عظيم الأثر في حياة الشعوب من الماضي إلى الحاضر وسيمتد هذا الأثر إلى أجل غير معلوم من المستقبل إلى حين ظهور الحقيقة كاملة عن كيفية وموضع حدوثه.

المقصود بالعبور هو القصة الشهيرة عن خروج النبي موسى عليه السلام ومعه أخوه هارون عليه السلام وبني إسرائيل هروبا من فرعون وظلمه، فلحق بهم فرعون وجنوده، وكان موسى ومن معه عند البحر فأمره الله بضرب البحر بعصاه فانشق وجاوز هو ومن معه البحر وعندما لحقهم فرعون وجنودهم أغرقهم الله جميعا في اليمّ.

سأتناول القصة تماما كما جاءت في القرآن من عند الأمر"وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي"،

- أولا أوحى الله إلى سيدنا موسى أن "أسرِ بعبادي" والآيات هي:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ الشعراء (52) - 
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) - الدخان

والسُّرَى، كالهُدَى: سَيْرُ عامَّةِ اللَّيْلِ (القاموس المحيط)
والسُّرَى: سَيرُ الليلِ عامَّتهِ، وقيل: السُّرَى سيرُ الليلِ كلِّه (لسان العرب)

أي أن سيدنا موسى سار بمن معه ليلا، فساروا الليل كلّه أو عامته وهو يعلم أنهم متّبعون من فرعون وجنوده. وطول الليلة يختلف حسب موقعها من فصول السنة فتكون الأقصر عند الانقلاب الصيفي بمدة أكثر من تسع ساعات، وتكون الأطول عند الانقلاب الشتوي حيث تكون أقل من أربع عشرة ساعة، وفي المتوسط تكون إحدى عشرة ساعة. أي أن سيدنا موسى ومن معه ساروا عامة ليلة يتراوح طولها بين 9 و13 ساعة.

في هذه الأثناء:

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) - الشعراء

والحشر هو الجمع (لسان العرب)، 

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) إِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) -الشعراء

والشرذمة القطعة من الشيء(لسان العرب)وهو دلالةعلى قلة عدد موسى وأصحابه، والغيظ كَرْبٍ يلحقُ الإنسانَ مِن غيره فيغيظه غيظا (لسان العرب) والحاذرون هم المستعدون (لسان العرب)
أي أن فرعون أرسل يجمع جنوده من المدائن، وقالوا أن موسى ومن معه شرذمة قليون، وهم يريدون أن يغيظوننا، وإننا لجميع مستعدون.

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)

أي مصبحين عند شروق الشمس (لسان العرب)، أي أنه بعد انقضاء الليلة، كان فرعون قد جمع جنوده واستعدوا للحاق بموسى ومن معه الذين ساروا طول الليل.

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)

تمكن فرعون وجنوده من اللحاق بموسى ومن معه بسبب تفاوت سرعة الجمعين، فلما تراءى الجمعان، أي رأت كل جماعة الأخرى، والترائي هنا قد يتفاوت مداه حسب وضوح الرؤية، وحسب ميلان الأرض، وبما أن الترائي كان متبادلا وقريبا من البحر، فهذا يجعل الأرض أكثر استواء، ويجعل مدى الرؤية لتمييز الجسم البشري هو كيلومتر واحد تقريبا.

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) - الشعراء

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخشى (77) - طه

بعد ترائي الجمعين، أدرك أصحاب موسى أنهم مدركون، فسرعة فرعون وجيشه أعلى من سرعتهم، فطمأنهم موسى عليه السلام وقال إن معي ربّي وسوف يهدين، فأُوحي إليه أن اضرب بعصاك البحر، فانفلق كل فرق كالطود (الجبل العظيم - لسان العرب) العظيم ليفتح طريقا يبِسا، ليعبر منه موسى ومن معه للضفة الأخرى.
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) - الدخان

ورهوا أي ساكنا علي هيّنتك (لسان العرب)، أي أن الله أمر موسى أن يسير ومن معه الهوينة وأن لا يخشوا لحاق فرعون بهم، وهذا سيساعدنا في آخر التدوينة في عملية تقدير المسافة التي قطعوها دون أن يلحق فرعون وجنوده حتى بآخر الجمع، ويبيّن القرآن ذلك إذ يقول الله تعالى: 

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثَمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) - الشعراء
وأزلف الشيء قرّبه (لسان العرب) أي أنه تمّ تقريب الآخرين في الجمع حتى لا يدركهم فرعون وجنوده وهذا دليل على قصر المسافة التي قطعوها، ثم أنجاهم الله وأغرق فرعون ومن معه.

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) - البقرة

أي أن أصحاب موسى وقفوا ينظرون لآل فرعون وهم يغرقون.

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)- يونس

وعندما أدرك فرعون الغرق قال أنه آمن بالله الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنه من المسلمين (أي أن بني إسرائيل كانوا مسلمين)

آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) - يونس

فنجّى الله فرعون ببدنه وتركه لمن خلفه آية، وربما قد تكون هذه الآية لمن تبعوه فورا، أو أنها لم تكتشف بعد (الله أعلم).

لكن ما استوقفني في موضوع الغرق، أنّ كل الآيات التي ذكرته، ذكرت أن ذلك حدث في اليمّ وليس في البحر،

و فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) - طه

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) - الأعراف

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) - الذاريات

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ 40 - القصص

واليمّ في لسان العرب كما عرّفه الليث هو البحر الذي لا يدرك قعره ولاشطآه، لكن يمكن اعتبار أن الاغراق تم ّ في اليمّ وليس في البحر سيعطي دلالة على المكان وخاصة أن في القصة القرآنية وبعد أن يترك موسى بني إسرائيل ليواعد الله أربعين يوما سيعود ليجدهم قد صنعوا عجلا وتمّ بعد ذلك حرقه ونسفه في اليم أيضا(لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا 97 طه).

سأتوقف عند هذه النقطة وسأعود لأحداث ما بعد العبور في تدونيات قادمة إن شاء الله، لكن قبل الخوض في بعض نتائج هذا التدّبر، أحب أن أضع الآيات التالية، التي تشير بما لا يدع مجالا للشك، أن الله أورث بني إسرائيل الأرض التي كان يعيش فيها فرعون وعندما سئموا التزوّد من طعام واحد في أرض لا مجال فيها للزراعة وطلبوا أن يأكلوا من زرع الأرض، أمرهم "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ".

أي أنهم عادوا إلى مصر التي خرجوا منهاولم يذهبوا لأي مكان آخر إلى حين وسأتحدث عن ذلك أيضا في تدوينة خاصة إن شاء الله.

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) 

فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) 

كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) - الدخان

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)- البقرة

فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) - الإسراء

"قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"


ما يمكن استنتاجه بشكل مباشر من تدبّر آيات قصة غرق فرعون هي النقاط التالية:

1- سير موسى عليه السلام ومن معه كان ليلا، ولو افترضنا أن معدل سرعة سير الإنسان العادي هو أربع كيلومترات فإن سرعة أصحاب موسى الذين سنفترض أنه كان من بينهم نساء وشيوخ وأطفال وبعض المتاع والدواب، فسيكون حتما أقل من ذلك، وسأعتبر تجاوزا أن سرعتهم كانت كيلومترين في الساعة ودام ذلك طول الليل دون توقف لمدة عشر ساعات تقريبا فتكون المسافة القصوى التي مشوها طوال الليل هي عشرين كيلومترا.

2- في غضون الليل استطاع فرعون أن يحشر جنده من المدائن وينطلق بهم عند شروق الشمس، وهذا يدل على قرب المسافة بين المدائن الي حشر منها جنوده أجمعين ويدلّ على صغر مساحة مصر التي  جرت فيها القصة والتي كان يحكمها فرعون.

3- لو افترضنا أن سير الجيش كانت بنمط سريع وأن الجيش كان يضم خيالة ومشاة، سأعتبر أن سرعة الجيش كانت خمس كيلومترات في الساعة، أي أنهم بحاجة لأربع ساعات للوصول للمكان الذي وصل إليه موسى وأصحابه بعد مسير ليلة كاملة.

4-في خلال هذا الوقت سيسير موسى ومن معه مسافة اضافية وسأفترض لأسباب التعب أو أخذ قسط من الراحة أنها ليست ثماني كيلومتلرات وإنما خمس،

5- سيحتاج جند فرعون لساعة اضافية لقطع هذه المسافة، وعندها سيكونون على بعد أقل من كيلومترين من موسى وأصحابه، وهي لحظة الترائي.

6- مجموع المسافة التي قطعها الجمعان في هذا الملاحقة حسب هذا الافتراض هو 27 كيلومترا كحد أقصى. (يمكن ضرب القيم في 1.2 لقيم أكبر قليلا، لكن العقل لن يقبّل قيما أكبر من ذلك بسبب محدودية القدرة البشرية وتناسبها مع الأرض التي يعيش عليها)

7- بعدما انفلق البحر سيسير موسى ومن معه على أرض يابسة "رهوا"، ويفترض أن هذه الأرض الياسبة لم تكن ذات عمق وإلا لاضطر الجمع للهبوط في هذا العمق ثم الصعود إلى مستوى البحر ثانية ولكان ذلك صعبا وسيعرضهم للحاق، وهذا قد يساعد لاحقا في اعطاء تصوّر عن الأماكن المحتملة لهذا العبور.

8- سار موسى ومن معه بهدوء لكنهم كانوا يخشون الادراك، فأزلف الله الآخرين منهم أي قربهم، وهذا يدّل أن المسافة التي قطعوها كانت ستسمح لفرعون ومن معه بادراكهم.

9-أطول مسافة يمكن أن يسيرها موسى ومن معه بسرعة كيلومترين في الساعة على أن يكون موسى وجنده على وشك اللحاق بهم يمكن حسابها كما يلي:

لو اعتبرنا أن المسافة الفاصلة بين الجمعين لحظة الترائي هي أقل من كيلومترين ولتكن في أحسن حالات النظر كيلومترا ونصف (مع العلم أنه على بعد كيلومتر واحد يصعب على عين البشرية تمييز الجسم البشري)، فإن مقدّمة جيش فرعون ستحتاج لعشرين دقيقة تقريبا لبلوغ النقطة التي انطلق منها موسى ومن معه ويجب أن تكون هذه العشرون دقيقة كافية لموسى ومن معه للدخول جميعا في هذا الممر اليابس.
في ثلث ساعة وبسرعة كيلومترين في الساعة ستكون مقدمة جماعة موسى قد قطعت ست مائة مترا تقريبا، وعندها ستكون مقدمة جيش فرعون عند نقطة البداية.

بسرعة خمس كيلومترات في الساعة سيتحتاج مقدمة جيش فرعون 7 دقائق لقطع 600 متر، وهي المدة التي يجب أن يكون قد أتم أصحاب موسى خروجهم من الطريق اليابس داخل البحر، يكون قد دخل بقية جيش فرعون أجمعين داخل البحر، وليغرقهم الله أجمعين على مرأى من موسى ومن معه.

وهذا يؤكد أن المعبر اليابس داخل البحر كان طوله بحدود 600 مترا فقط وفي أحسن التقديرات وأكثرها تضخيما أقل من كيلومتر واحد.

كل هذا يؤكد أن هذا العبور لم يحدث في جمهورية مصر العربية، ولم يكن البحر الأحمر هو الذي قطعه موسى عليه السلام ومن معه.

أي أن القرآن يقدّم دليل نفي واضح على القصة التي اعتمدت أن موسى عليه السلام ومن معه ساروا في أرض جمهورية مصر العربية (وفي هذه الحالة ستكون المسافة التي يجب أن يمشوها إلى حد بلوغ البحر الأحمر أضعاف تلك التي يمكن أن يسيروها في ليلة واحدة) ليقطعوا بحرا عرضه لا يقل عن 10 كيلومترات في أضيق حالاته،بينما البحر الذي قطعوه لم يزد عرضه عن كيلومتر واحد.

في التدوينات القادمة سأتناول بقية القصة بعد اغراق فرعون، وسأتناول قصص أخرى لأنبياء آخرين وسأبيّن إن شاء الله الترابط الموجود بين قصص الأنبياء بعضها ببعض من جهة ومن جهة أخرى بالبيئة الجغرافية التي حدثت فيها هذه القصص وسأحاول وضع بعض الاحتمالات المنطقية لأراض يمكن أن تحدث فيها هذه الأحداث.






للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts