الأحد، 24 يناير 2016

قصر عمره الأموي رموز حاضرة وأخرى غائبة وتاريخ لا يشبه التاريخ

قصير عمره الأموي في الأزرق (85 كم شرق العاصمة الأردنية عمّان)، يُجمع علماء الآثار أنه شُيّد بين 80 و 105 للهجرة، وبعض فرق الآثار تقول أنه كان للوليد بن عبد الملك، وبعضها الآخر يقول أنه كان للوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان يستخدمه عندما كان وليا للعهد في فترة حكم هشام بن عبد الملك.




جدران القصير (تصغير قصر) من الداخل وأسقفه كلها عبارة عن مجموعة فريدة ورائعة من اللوحات الفنية، سأحاول في هذه التدوينة تسليط الضوء على أكبر عدد ممكن منها.

القصير ينقسم لقاعة رئيسية يعلوها سقف من ثلاثة أقواس كما هو واضح في الصورة أعلاه، وفي آخر القاعة توجد حجرتان صغيرتان، وعلى الجانب الأيسر يوجد باب يؤدي لحجرات أخرى تؤدي إلى غرفة حمام.
وخارج القصر يوجد بئر كبير وحمام بركة حمام خارجي.


اللوحة الجدارية الأشهر من بين لوحات القصر هي لوحة السيدة في الحمام وهي تتوسط لوحة لملوك ستة ولوحة لألعاب رياضية.

تتكوّن اللوحة من صورة لمرأة عارية تقف على حافة حوض استحمام، وخلفها رجل، وعلى اليسار حشد من الرجال يشاهدون الحمام، في مقدمتهم سبعة وجوه وأحدهم يشير بأصابعه إلى المرأة في الحمام، وفي أقصى اليمين نافذة صغيرة، تطلّ منها مرأة أخرى.


الصور التالية هي صورة عامة للوحة، وصور مقرّبة لمختلف عناصرها.









واللوحة الثانية والتي استوقفتني كثيرا هي لوحة الملوك الستة، والتي كنت قد شاهدت صورها وقرأت عنها قبل الذهاب إلى القصر، لكن الرؤية بالعين المجردة تختلف تماما عن الصور.

اللوحة طالها الكثير من الضرر، وهي بحسب كل المراجع لستة ملوك، ألقاب أربعة منهم ظاهرة وقد كتبت بالعربية والإغريقية، واثنان ليسا ظاهرين، وهم: إمبراطور الصين، الحاكم الساساني، إمبراطور بيزنطة، ونجاشي الحبشة، القوطي رودريك والخاقان التركي.

قد لا يكون واضحا معنى هذه اللوحة أو سبب وجودها في قصر أموي، لكنها ومع لوحات القصر الأخرى تدعو للكثير من التفكير وإعادة النظر في التاريخ المكتوب الذي وصلنا.

الصورة الأولى من تصويري، والصورتان الأخريان هما تصوران لترميم جزئي وكلي للوحة.





بجانب لوحة الملوك الستة، لوحة لا تقل أهمية:

رجل يرتدي ملابس فخمة تحت خيمة (على الأغلب يمثل الخليفة أو الملك)، وبجانبه طفلتان وكاتب وجارية تحمل مروحة.

في أعلى اللوحة طائرا طاووس ويظهر فوق الأيسر منهما الأحرف (APA) ومعناها غير معروف، وفوق الأيمن كلمة (NIKH) والتي تعني النصر بالإغريقية.
تحت صورة الرجل توجد لوحة كتب عليها بالخط الكوفي على ثلاثة أسطر:
- بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا
- الله وحده لا شريك له
- الله ... الله
الصورتان أسفله  واحدة للوحة، والثانية تخيّل لشكل اللوحة بعد الترميم.









على القوس المقابل للحائط الذي رُسمت عليه صورة الملوك الستة في قصر عمره الأموي في الأزرق، توجد لوحات لعازفين.

الصورة الأولى على الطرف الأيسر للقوس لعازفات (على آلة وترية، وآلة نفخية، وآلة إيقاعية) وراقصة، وعلى الطرف الأيمن لمرأة متكئة وبجانبها ما يشبه الملاك الطائر.

أوضعت هنا الصورتين ومعهما صور متخيلة لهما بعد الترميم.
مصدر صور الترميم المتخيلة من فيديو عن قصر عمره باللغة الإسبانية:
https://www.youtube.com/watch?v=-upxMG-_edQ









وفي ذات القاعة لوحات رائعة الجمال لغزوات صيد، ولوحة لمصارعين، تعكس نمط الحياة الذي كانت تعيشه الفئة الحاكمة في الدولة الأموية، ومدى اهتمامها بالرياضة والصيد.

الجدارية الكبيرة أدناه تمثل عملية صيد لقطيع من الحمر الوحشية وإيقاعها في شبكة صيد، والجداريات الأخرى تمثل عمليات صيد لحمر وحشية ولحيوانات أخرى، ويظهر فيها استخدام الخيول والكلاب للصيد، بالإضافة لأشكال الصيادين وسماتهم وأزيائهم.

الصورتنا الأخيرتان متخيلتان لعملية ترميم جدارية الصيد الكبيرة
















مقابل لوحات الملوك والصيد توجد أكبر جدارايت القصر  رُسمت على سقف إحدى حجراته الثلاث الرئيسية ذات الشكل نصف الأسطواني، وعلى أربعة صفوف متوازية وفي كل صف ثماني لوحات، خُصِصت للعمال الذين شيّدوا هذا البناء:

حدادون، نجاورن، وبناؤون في صور مختلفة وبشكل متسلسل لمراحل عملهم.

هذه الجدارية ليست عادية، فبالإضافة لكونها تُظهر شكل وأزياء العمال في ذلك الوقت فهي تطرح تساؤلا عن سبب وضعها مقابل جدار عليه صور ملوك!

الصور أدناه من تصويري، وأخرى متخيلة لشكل اللوحات بعد الترميم.














في آخر القاعة الرئيسية توجد غرفة العرش، وهي تعكس الكثير من الفخامة وتحمل رموزا دينية يصعب تفسيرها بالمعطيات المتوفرة حتى الآن.

تتكون الصورة من عرش في الوسط يجلس عليه شخص وتحيط برأسه هالة دائرية وعلی جانبيه شخصان يحملان بأيديهما مراوح أو ما شابهها، وقد كُتب في الأعلى "ولي عهد المسلمين والمسلمات" وبقية الكلمات غير ظاهرة بسبب الضرر الذي أصاب اللوحة. ويحيط بالعرش رسومات للكثير من الطيور.

هذا العرش فوق الماء، وفي الماء رُسِمت أسماك وقارب وشبكة صيد.

هذا الجزء من اللوحة مفقود وقد نقله الرسام الألماني مييليش إلى متحف بيرغامون في برلين في مطلع القرن الماضي.


يحيط بلوحة العرش من الجانبين لوحتان جداريتان لكثير من الرجال والنساء لما قد يكون حاشية الحاكم، وفي سقف غرفة العرش صورة مركبة يصعب تحليلها حاليا لكثرة ما تحتويه من رموز.

(يمكن مشاهدة الصورة الكاملة مركبة في الصورة أدناه بالأبيض والأسود)

الصور أدناه تشمل صورا من تصويري وصورا أخر ى تمثل نماذج متخيلة لترميم الجدارية.

المراجع:











اللوحات التالية ذات مضمون جنسي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن  بعض فرق الآثار تقول أن هذا القصر كان للوليد بن عبد الملك، وبعضها الآخر يقول أنه كان للوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان يستخدمه عندما كان وليا للعهد في فترة حكم هشام بن عبد الملك.


للأسف بعض اللوحات تعرضت لضرر شديد وتخر يب واضح، وبعضها الآخر (خاصة الموجود في مكان مرتفع) تعرض لضرر أقل.










في منتصف الجدار القائم يسار القاعة الرئيسة يمكن الدخول إلى حجرات تؤدي إلى غرفة الحمام.


الغرفة الأولى ذات سقف نصف أسطواني رسمت عليه ثلاثة وجوه رئيسية وهي الظاهرة في الصورة الأولى أدناه، 
وصور حيوانات وطيور منها الغزلان ومالك الحزين وهي على الأغلب تمثل حيوانات البيئة المحيطة بالقصر والتي أغلبها لا زال موجودا الآن في محمية الأزرق الطبيعية القريبة من القصر، وصور راقصين وعازفين وأكثر ما يلفت الانتباه  فيها صورة الدب العازف على آلة وترية.


















الثلاثة وجوه هي برأيي الأهم في هذه الحجرة وهي لشاب في مقتبل العمر وشخص أكبر (يحتمل أن يكون رجلا أو امرأة) وعجوز كتفه الأيمن عارٍ، وتحتمل ثلاثة إحتمالات:
- أنها تمثل دورة الحياة: صبي وشاب ورجل عجوز
- ثلاث شخصيات دينية وقد تكون لأنبياء خصوصا وأنه في الحجرة الرئيسة توجد لوحة فوق لوحة الملك تحت الخيمة كُتب عليها يونس (Jonah)
- أما الاحتمال الذي أقترحه وأعتقد أنه الأقوى، أن هذه الصور لعبد الملك ابن مروان (العجوز) واثنين من أبنائه أو أحد أبنائه وأحد أحفاده، خصوصا وأننا نملك صورًا لعبد الملك بن مروان من القطع النقدية الأموية مثل التي تظهر فيها صورته وقد كُتب عليها فلسطين - إيليا، وتمثاله الذي كان قائما في قصر هشام في أريحا، كما هو موضح في الصور المرافقة.





وعلى جانبي الحجرة جداريتان لا تقلان غرابة، الأولى لشخص عار يمسك ذقنه ويشاهد جسدا نائما أمامه وبجانبه ملاك طائر أو ما يعرف بإيروس (ُEros) مجنح وهو إله الحب والرغبة والجنس في الميثولوجيا اليونانية، والثانية لرجل وامرأة عاريين متقابلين يشاهدان بعضهما البعض وبينهما النافذة.










وأخيرا صور للغرفة الساخنة لحمام القصير.
الصور الأولى من الغرفة الدافئة (tepidarium) وهي لوحات لنساء وأطفال داخل الحمام، وهي مزينة بصور أخرى لأسود وأرانب وأوراق أشجار وقطوف عنب، والصور التالية من الغرفة الساخنة وتحديدا لقبتها التي يعتقد أنها أقدم تمثيل كروي لشمال السماء والأبراج (zodiac and northern sky).

القبة رغم ارتفاعها الشاهق، إلا أنها تعرضت للكثير من التخريب، وهو واضح من خلال الأسماء التي حُفِرت عليها (أستغرب جدا من الأشخاص الذين تحملوا عناء التسلّق إلى أعلى للقيام بهذا التخريب).

الصور الأخيرة هي تخيّل لشكل القبة بعد الترميم.
















وهنا أطرح تساؤلا مهما، وأرجو من العارفين الباحثين، تزويدنا بإجابة موثقة شافية لهذا التساؤل:

يتضح من آثار القصور والمساجد الأموية وأبرزها قبة الصخرة، والجامع القبلي (الأقصى) وقصر هشام والمسجد الأموي، وقصر الحرانة وقصر القسطل وقلعة عمّان وغيرها وحتى قصور الأمويين الذين غادروا الشام بعد سقوط الدولة الأموية إلى الأندلس وأبرزها على الإطلاق قصر الحمراء في غرناطة وجامع قرطبة، أن هذه الفترة شهدت ازدهارا معماريا وفنيا لا يخفى على العين وتثبته هذه الآثار، وبالمقابل لم تصلنا كُتب من هذه الفترة، وكل المراجع التاريخية الموجودة ابتداءً من تاريخ الطبري كُُتِبت من العهد العباسي فما بعده. واللافت للنظر أننا لا نملك آثارا عباسية تعكس فن العمارة والتطور في زمن تلك الدولة.



فكيف لا نملك كتبا من المرحلة الأموية التي لا تزال آثارها الرائعة قائمة إلى يومنا، ولا نملك آثارا للمرحلة العباسية التي تزخر مكتباتنا بكتبها؟



#العقل_زينة