الأحد، 27 سبتمبر 2015

فلسطين ليست أرض قصص التوراة: ملخص كتاب التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها لإسرائيل فنكلشتاين ونيل سيلبرمان


التواة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، كتاب صدر في 2001 لعالمي الآثار إسرائيل فنكلشتاين ونيل آشر سيلبرمان، وهو كتاب ينتقد التاريخ القائم على القصص التوراتية مستندا على الموجودات الأثرية في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، جازما بأن هذه القصص لم تحدث في الأزمنة التي نسبت لها وأن معظم هذه القصص كما يعتقد الكاتبان كُتبت بين القرنين الثامن والخامس ق.م أي بعد العودة من السبي البابلي .


إسرائيل فنكلشتاين بروفيسور في علم الآثار والتاريخ ويعمل في جامعة تل أبيب متخصص في العصرين البرونزي والحديدي (الفترة المفترضة توراتيا لدولتي داوود وسليمان) عمل على التنقيب في موقع مجدو (تل المتسلم قرب الناصرة) وهو صهيوني فخور بصهيونيته، ولم تُجدِ أبحاثه واكتشافاته ومصداقيته العلمية لتحويله عن الفكر الصهيوني القائم على اغتصاب فلسطين بصفتها أرضا الميعاد، وهو يقر بذلك في لقاء ضمن برنامج في الصميم لقناة بي بي سي (للمشاهدة يمكن فتح الرابط أسفله)




وسيلبرمان عالم آثار مؤرخ تدرب في الجامعة العبرية وعمل مع فنكلشتاين في تأليف كتاب التوراة اليهودية مكشوفة  على حقيقتها.

أهمية الكتاب تكمن في طريقة تناوله للآثار واعتبارها مكوّنا ماديا على أساسه يتم بناء القصة، وليست قطعا آثرية يتمّ تطويعها لتخضع للقصة التوراتية، بمعنى أن الِكتاب يستنبط من الآثار الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعقائدية وتطورها في هذا المحيط الجغرافي، ومن ثمّ مقارنة النتائج بقصص التوراة، وليس كما كان يفعل المستشرقون وعلماء الآثار التوراتيون الذين كان ينقبون في مناطق المرتفعات (لأنها ترتبط بفكرة المستوطنات التي كان يعيش فيها بنو إسرائيل قديما) وكلما عثروا على تمثال قالوا تمثال أجدادنا وإن فتحوا قبرا قالوا قبر أجدادنا،  وإن عثروا على آنية قالوا آنية أجدادنا، ثم يسترسلون في الكذب وفي تأليف قصص ومن ثَمّ اسقطاها على أماكن في فلسطين باعتبارها أماكن وردت في التوراة.

سأورد في هذه التدوينة بعض أهم النتائج التي وصل إليها الكتاب اعتمادا على الآثار وعلى تحكيم العقل والمنطق في دراستها وتحليلها، ولاثراء التدوينة أرفقت مع كل نتيجة صورة من صفحات الكتاب، لكن ذلك لا يُغني عن قراءة الكتاب كاملا للمهتمين بالقضية الفلسطينية والمنشغلين بإيجاد حلٍ لها.

أول النقاط التي يشكك فيها الكتاب هي قصة الآباء وتحديدا قصة رحلة إبراهيم من أور ودخوله فلسطين في القرن 20 ق.م، فاعتمادا على أبحاث تنقيب  في تل جمه في النقب الغربي تم اكتشاف أن زيادة مثيرة في أعداد عظام وبقايا جِمال يعود للقرن السابع ق.م وليس قبل ذلك وأن هذه الجِمال بالغة تستعمل في القوافل وليست قطعانا تمت تربيتها محليّا.




الجمال لم تكن تربى قبل القرن السابع ق.م مما يتعارض مع قصة إبراهيم ودخوله إلى فلسطين بحسب التوراة

ونظرا للإختلاف الواضح بين طبيعة المنطقة وموجوداتها الأثرية والبيولوجية، فقد ذهب الكتاب أبعد في إنكار حدوث قصص سفر التكوين في فلسطين، عندما قال أن الحل لهذا اللغز  هو أن  تكون كتابة سفر التكوين قد تمّت بين القرنين الثامن والسابع ق.م وتمت صياغتها باستخدام وسائل الحياة المتاحة وقتها، وليس قبل ذلك.

الحل بنظر الكاتب هو أن تكون التوراة كُتبت في القرن السابع

ويقدّم الكتاب دليلا على ذلك بشكل منطقي ويقول أن اتخاذ حبرون (الخليل) التي ستكون المدينة الملكية الأولى لمملكة يهوذا هو نوع من تركيب قصص لا وجود لها بناء على ظروف راهنة، فيُصبح بذلك للمدينة بعد تاريخي وديني مُلهم.

عن التناقض بين القصة والمكان


مما دفع الكاتبين إلى الاعتقاد أن فكرة الخروج من أور (في العراق) هي لإعطاء سمعة كبيرة عن وطن أصلي  ومسقط رأس لأب عظيم وسلف قومي مشهور وفي ظل فترة كان السيادة فيها للإمبراطورية البابلية.

اختراع أب من أور

وهذا ما يؤكده الكتاب مرارا وتكرارا وعبر عنه بالأدلة، فهو يؤكد أن الآثار تقول أنه لم يكن  هناك آباء (إبراهيم، إسحق ويعقوب..)، ولا خروج من مصر، ولا غزو لكنعان، ولا حكم ملكي متحد (لأسباط بني إسرائيل) تحت قيادة داوود وسليمان، ويتساءل هل حقا إسرائيل التوراتية كان لها وجود من الأصل؟

الآثار ضد القصص

وبنفس الطريقة يتناول الكتاب قصة الخروج من مصر، ويبدأ بطرح السؤال هل عاش الإسرائيليون في مصر أساسًا وهم لا ذكر لهم  في كل نقوشها وكل وثائقها.


لا دليل على حضور الإسرائيليين في مصر

وبذلك سيكون من الصعب تصديق حدوث خروج أسطوري من مصر والسبب في ذلك ليس فقط عدم وجود إسرائيليين من الأساس في مصر بل لأن الحاميات المصرية المزوّدة بالمياه والعتاد كانت تملأ البلاد ومن المستحيل اختراقها بهذا الشكل، وتقدّم مسلّة مرنفتاح دليلا آخر على التناقض عندما تسجّل هزيمة نكراء تعرض لها ناس اسمهم "يسرائر" وكانوا خارج مصر.

وجود حاميات مصرية ينسف قصة الخروج، وعدم انسجام بين الرواية الترواتية ومسلة مرنفتاح

ثم يقدّم الكتاب دليلا آخر على كذب الإسقاط الذي قام به المستشرقون وعلماء التوراة، فقادش (قَدَس) برنيع الواردة في التوراة في سفر الخروج، والتي تمت مطابقتها مع أم القديرات شرق سيناء  لم تكن مأهولة قبل القرن السابع ق.م

قادش برنيع التي تم اسقاطها على أم القديرات شرق سيناء لم تكن مأهولة قبل القرن السابع ق.م

ويتابع الكتاب الاستدلال بالمنطقي، ويقول بشكل ساخر، حتى لو صدقنا حدوث الخروج فكيف تمكن رعاع  فوضوي بعد سنوات من التيه من الغزو والتغلب على قلاع كنعان (فلسطين) العظيمة وجيوشها المحترفة وفيالق عرباتها المدّربة.

كيف تمكن هذا الرعاع الفوضوي من التغلب على قلاع كنعان العظيمة
فكنعان في تلك الفترة التاريخية كما تؤكد الوثائق كانت مقاطعات تابعة إداريا للدولة القوية في مصر وكانت عاصمتها الإقليمية تقع في غزّة.

كنعان كانت مقاطعة مصرية عاصمتها غزة

ولو تجاوزنا كل العقل والمنطق وصدقنا أن ذلك حدث، فكيف تحوّل هؤلاء الرعاة من حياة الفوضى إلى حياة الزراعة والإستقرار؟

من رعاة في التيه إلى مزارعين مستقرين

ورغم كل المحاولات بتأليف قصة غزو أو تسلل سلمي لقبائل إسرائيلية في فلسطين إلا أن الآثار تقول غير وذلك وتؤكد أن من عاشوا وتطوروا في تلك الفترة في هذه الأرض هم ناس محليّون ولم يحدث أي تغيّر في نمط حياتهم.

لا خروج من مصر ولا غزو، من عاشوا في فلسطين في تلك الفترة هم من فلسطين

وأقصى ما يمكن أن يكون قد حدث هو ثورة فلاحين لسكان محليين ضد دول المدن  وليس دخولا لعنصر بشري جديد على المنطقة

ثورة فلاحين وليس غزوا

وبذلك تسقط كل النظريات التي كرست أشكال نشوء إسرائيل في فلسطين.


الآثار نسفت كل نظريات نشوء إسرائيل في فلسطين

وعند الحديث عن ملوك الحكم المتحد وهم شاول وداود وسليمان، فالمكتشفات الأثرية تتناقض تماما مع شهادة الكتاب المقدس، فلا توجد أي أدلة على وجود أي ملك أو أي بناء هندسي معماري تذكاري في المنطقة وفي القدس تحديدا والتي لم تكن إلا قرية صغيرة في تلك الفترة.

جدول يقارن بين المكتشفات الأثرية وقصص  التوراة


ويعترف هنا عالما الآثار أنه حدث استخدام للفخار والخزف الفلسطيني في حياكة قصة الفتوحات الداودية، وأن هذا ليس إلا سرابا خزفيا، وقد أكدت التنقيبات أن هذا النمط من الآثار الطينية لم يكن حكرا على منطقة معينة وإنما كان نمطا مشتركا في المنطقة ولسكانها.
سراب خزفي

وليس ذلك فقط بل تُقدّم التماثيل الدينية دليلا على عدم وحده الديانة، وبمعنى آخر على عدم وجود أي دليل على يهودية الدولة المزعوم.

الديانة لم تكن واحده!


مما يدفع الكتاب إلى طرح سؤال جريء، فبالرغم من كون فنكلشتاين صهيوني ومؤمن إلا أن التناقض بين الآثار والقصة التوراتية للتساؤل: هل داود وسليمان وُجدا؟

هل داوود وسليمان وجدا في فلسطين؟
وماذا عن ثروة سليمان الخيالية المذكورة في التوراة، فهي أقرب للخيال وأبعد ما تكون عن الواقع والآثار، فلا وجود لذكر لسليمان في أي نص تاريخي مصري أو لأي دولة في المنطقة.

ثروة أسطورية

لقد تم تزوير تاريخ المنطقة بشكل محترف ومتقن للغاية، فرغم أن الآثار تؤكد أن أنماط الحياة شرقي وغربي نهر الأردن كانت متشابهة إلا أن التاريخ التوراتي أسس إلى أن من كانوا شرق النهر هم من عمون وموآب وأدوم ومن كانوا غربه كانوا إسرائيليين، وأنه كانت هناك فروقات كبرة بين الجهتين.

نفس النمط غرب وشرق الأردن وليس كما تصف التوراة
ويعترف الكاتبان أن ما تم إسقاطه من أسماء قصص التوراة على فلسطين هي أسماء مواقع رئيسية، أما بقية الأماكن فبقيت مجهولة
المواقع الرئيسية بتغيير الأسماء والإسقاط، أما بقية الأماكن فلا وجود لها في فلسطين



ما قام به هذا الكتاب هو اعتراف ضمني بعدم حدوث قصص التوراة في فلسطين، لكن "صهيونية" فنكلشتاين منعته من إعادة التفكير في أحقية الصهاينة بأرض فلسطين، وبأن إنشاء  الكيان الصهيوني المسمى إسرائيل هو إغتصاب لأرض شعب آخر.


وهذا الاعتراف هو نصف الصورة، ولتكتمل الصورة يجب التعرف على النظريات التي تقدّمها أعمال كمال الصليبي وفرج ديب وزياد منى وكثير من الباحثين العرب عن جغرافيا بديلة لقصص التوراة والتي أثبتت وإلى حد كبير كتب فاضل الربيعي مثل "فلسطين المتخيلة" و "القدس ليست أورشليم" و "حقيقة السبي البابلي" أنها جغرافيا اليمن القديم، فعلى سبيل المثال لا الحصر قادش (قَدَس) برنيع التي تحدث عنها الكتاب وتمت الإشاره لها أعلاه وأكد استحالة أن تكون أم القديرات في سيناء، يضعها الربيعي في موقعها الجغرافي الذي يتناسب تمام مع القصة التوراتية في اليمن في مكان إسمه إلى يومنا هذا "جبل قَدس" وذلك مدوّن في كتاب فلسطين المتخيلة بالإضافة إلى ضبط كثير من المواقع والأسماء كما هي مرتبة تماما في التوراة.

 لكن تبقى كل هذه النظريات بحاجة  ماسة إلى دليل مادي هو آثار اليمن خاصة والجزيرة العربية والمنطقة عامة، والتي يجب أن يصرخ كل المهتمون بتصحيح التاريخ عاليا لحمايتها من الدمار والتخريب.



تصحيح التاريخ هو أحد أسلحة تحرير كل فلسطين واستعادة الحقوق الفلسطينية  كاملة غير منقوصة والتي لا يجب التفريط فيها، وعلى كل فلسطيني وكل مهتم بالقضية الفلسطينية وكل مناضل من أجل عودة السلام والأمن لفلسطين والمنطقة كلها أن يساهم في تصحيح تاريخها واستعادة ما زوره المستشرقون ورجال الدين والساسة والصهاينة وكل من تعاون معهم.

يجب أن تفقد القضية الفلسطينية طابع الصراع الديني وأن تأخذ طابعها الحقيقي والقابل للحلّ وهي أنها قضية احتلال.