الاثنين، 31 أكتوبر 2016

حكاية التوراة وصوت الآثار المُهمل

احتلال فلسطين وقتل وتهجير أبنائها قائم على حكاية توراتية وضع المؤرخون والمفسرون أرض فلسطين مسرحا لها، بالرغم من أن آثار فلسطين تروي حكاية أخرى، إلا أن صوت الآثار تم إخراسه وعلا صوت الحكاية.

تقول الحكاية في التوراة أن إبرام (إبراهيم) رحل مع زوجته وابن أخيه لوط بحدود 1900 ق.م من أور (العراق) إلى أرض كنعان (فلسطين)،  فذهبوا أولا إلى حاران (في تركيا) ثم رحلوا إلى أرض كنعان مرورا بدمشق (سوريا) وأقاموا في شكيم ثم بيت إيل ومنها إلى أرض الجنوب ثم إلى مصر (جمهورية مصر العربية) ثم عادوا إلى أرض الجنوب وكان مع إبراهيم ولوط غنم وبقر وحمير وعبيد واماء واتن وجمال، وبعد مخاصمة بين رعاة مواشي أبرام ورعاة موشي لوط (سفر التكورين 13) رحل لوط إلى دائرة الأردن وبقي إبراهيم في أرض كنعان حيث: قَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا، لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ. (سفر التكوين 13).



المشكلة في هذه القصة ليس فقط في خط  الرحلة الطويل والغريب من أور في العراق إلى الأرض الموعودة في فلسطين مرورا بتركيا وسوريا ومصر، لكن المشكلة تكمن في ما كشف عنه عالما الآثار الإسرائيليان إيريز بن يوسف وليدار سابرهن من جامعة تل أبيب بأن الجمال التي تتم تربيتها لم تدخل فلسطين قبل 930 ق.م (المصدر من مقال على ناشيونال جيوغرافيك) بل ذهب نيل سيلبرمان وإسرائيل فنكلشتاين في كتابهما التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها إلى  أن التنقيب في تل جمة في الساحل الفلسطيني كشف عن زيادة مثيرة في عدد عظام الجمال في القرن 7 ق.م، فكيف يمكن قبول إسقاط القصة التوراتية على المنطقة رغم أن نتائج التنقيبات تثبت عكس ذلك تماما.


تل جمة قرب دير البلح


وتستمر الحكاية التوراتية فيعيش إبراهيم وولداه إسماعيل واسحاق في أرض كنعان، ثم صرف إبراهيم بناء على طلب من زوجته سراي  (سارة) اسماعيل وأمه هاجر المصرية إلى برية بئر السبع (سفر التكوين 21) وبقي اسحق وأمه سراي في أرض كنعان، وأنجب اسحق يعقوب، الذي ذهب إلى فدان أرام وتزوج فيها ابنتي خاله لابان وأثناء عودته من فدان أرام إلى أرض كنعان "صَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ.  وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ.  وَقَالَ: " أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي».  فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ».  فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْت" (سفر التكوين 34) ثم سكن يعقوب في أرض شكيم (نابلس) من أرض كنعان.

وكان ليعقوب ثلاثة عشر ابنا أحدى عشر من زوجة يكرهها إسمها ليئة ابنة ابن خاله لابان واثنان من أختها راحيل التي كان يحبها، وهما يوسف وبنيامين. ووتقول الحكاية أن يعقوب كان يفضّل يوسف على بقية أبنائه مما أشعل نار الغيرة في قلوب إخوته غير الأشقاء فألقوه في بئر فسحبه رجال مديانيون وباعوه للإسماعيليين بعشرين فضة، فأتوا بيوسف إلى مصر. (سفر التكوين 37)، وبعد حبسه وبسبب تفسيره لحلم فرعون، قام بإخراجه من السجن وجَعَله على كل أرض مصر وكان ذلك بحسب مؤرخي التوراة بحدود سنة 1700 ق.م. في أثناء ذلك قام يوسف باستقدام أهله من بئر السبع من أرض كنعان ليعيشوا في أرض جاسان من أرض مصر (سفر التكوين 46)



رغم جمالية القصة واحتواءها على عوامل الإثارة والإلهام والمتعة  لكن علماء الآثار الذين تناولوا تاريخ "بلاد جمهورية مصر" يعرفون تمام المعرفة أن لقب فرعون لم يظهر ولا حتى مرة واحدة في كل آثارها، و لم يرد إسم يوسف أبدا في كل سجلاتها التي دونت أسماء معظم حكامها، فكيف يهمل مدونو التاريخ القبطي – المصري تدوين أسماء أبطال قصة عظيمة مثل قصة يوسف؟

ثم تسرد التوراة في سفر الخروج كيف توالد بنو إسرائيل وزاد عددهم في مصر وامتلأت الأرض منهم، فخاف ملك البلاد من كثرتهم فقرر أن يستعبدهم، ويقتل أبناءهم لكن لحسن حظه نجى موسى ولما صار شابا قتل رجلا مصريا وفرّ إلى مديان وقضى سنوات هناك يرعى غنم حثرون كاهن مديان، حتى كلمه الرب يهو "وقال الرب لموسى في مديان إذهب ارجع الى مصر لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك" (سفر الخروج 4)، فذهب موسى برفقة أخيه هارون إلى فرعون " وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي ليعيّدوا لي في البرية" (الخروج 5)، وبعد رفض هذا الطلب مرات عديدة، قاد موسى خروجا جماعيا من رعمسيس لأكثر من ست مائة ألف رجل من بني إسرائيل  ومعهم غنم وبقر ومواش كثيرة متجهين إلى جبل حوريب.




هذه القصة حيّرت علماء الآثار، لإن إسقاط هذه القصة على جغرافيا مصر وفلسطين يعدّ مستحيلا، فعلى سبيل المثال كيف يمكن أن ينزح أكثر من نصف مليون إنسان في ظل وجود حامية عسكرية كالتي تم الكشف عنها في تل حبوة في القنطرة شرق السويس والتي قدّر علماء الآثار أنها كانت تتسع لخمسين ألف جندي؟

الحامية العسكرية في تل حبوة في الإسماعيلية شرق السويس



ومن جهة ثانية فقد أكد باحث الآثار الإسرائيلي في جامعة تل أبيب إسرائيل فنكلشتاين أن عين  القديرات الواقعة شرق سيناء والتي تم اعتبارها عين مشفاط (قادش) التي وردت في التوراة في قصة الخروج، سُكنت لأول مرة في القرن السابع قبل الميلاد وليس قبله، فإن لم يُقِم بنو إسرائيل في عين القديرات في سيناء عند خروجهم من مصر، فأين أقاموا أو بالأحرى من أين خرجوا ليعيّدوا للرب يهو في البرية؟




ولو افترضنا أنهم خرجوا من مصر وأقاموا في أماكن أخرى غير عين القديرات وأنهم تمكنوا من تجاوز وخداع كل الحاميات العسكرية  فإلى أين يمكنهم أن يذهبوا طالما أن عمليات التنقيب كشفت عن وجود حاميات عسكرية في بيسان ويافا ودير البلح في فلسطين، كما  كشفت عمليات التنقيب عن وجود عشرات التوابيت الطينية الشبيهة بالتوابيت المصرية في دير البلح وبيسان وتل دوير جنوب غرب القدس، والتي يؤكد علماء الآثار أنها كانت مقاطعة إدارية تابعة للدولة في مصر وكانت عاصمتها في غزة. فكيف حدث الخروج ومن أين وإلى أين؟




وثم تروي التوراة في سفر صاموئيل أحداث معركة تدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين:
" وَجَمَعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ جُيُوشَهُمْ لِلْحَرْبِ، فَاجْتَمَعُوا فِي سُوكُوهَ الَّتِي لِيَهُوذَا، وَنَزَلُوا بَيْنَ سُوكُوهَ وَعَزِيقَةَ فِي أَفَسِ دَمِّيمَ.2 وَاجْتَمَعَ شَاوُلُ وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا فِي وَادِي الْبُطْمِ، وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ لِلِقَاءِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ.3 وَكَانَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وُقُوفًا عَلَى جَبَل مِنْ هُنَا، وَإِسْرَائِيلُ وُقُوفًا عَلَى جَبَل مِنْ هُنَاكَ، وَالْوَادِي بَيْنَهُمْ.4 فَخَرَجَ رَجُلٌ مُبَارِزٌ مِنْ جُيُوشِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ اسْمُهُ جُلْيَاتُ، مِنْ جَتَّ، طُولُهُ سِتُّ أَذْرُعٍ وَشِبْرٌ"

فلم يجرأ أحد من بني إسرائيل على الخروج لمبارزة العملاق الفلسطيني، حتى خرج له شاب إسمه داود وصرع الفلسطيني بمقلاع.



الموقع الذي افترضه مفسرو التوراة لمعركة الإسرائيليين والفلسطنيين بين بيت لحم وعسقلان

بحسب مفسري ومؤرخي التوراة تدور أحداث هذه المعركة  بين الإسرائيليين والعمالقة الفلسطينيين الأجلاف في وادي السنط غرب بيت لحم وشرق عسقلان، لكن آثار المنطقة ترسم صورة مختلف عن الصورة التي ترسمها الحكاية، ففي 2013 عثرت فرق التنقيب في عسقلان عن مقبرة بها 211 رفاة يعود تاريخها للفترة الواقعة بين القرنين 11 و8 ق.م، أي تماما في الفترة التي وقعت فيها معركة وادي البطم بين الإسرائيليين والفلسطينيين في التوراة. واللافت للانتباه في الهياكل العظمية التي عُثر عليها في هذه المقبرة أنها كلها بأحجام عادية ، أي أن الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون هذه المنطقة لم يكونوا عمالقة، وليس ذلك فقط، فقد احتوت القبور على قوارير عطور وحُلِيّ وأقراط وخواتم وأساور وأشياء أخرى تؤكد اهتمام الفلسطينيين بالذوق والأزياء وكل ما يتعلق بالجمال والأناقة فكيف 
يكون هؤلاء الناس أجلافا؟


هيكل عظمي لفلسطيني في مقبرة عسقلان

أواني العطور في مقبرة عسقلان



ثم تنقل  القصة التوراتية أخبار مملكة عظيمة قامت في المنطقة بين 1050 و930 ق.م حكمها شاول وداود ومن بعده إبنه سليمان الذي اتخذ من القدس عاصمة له وبنى الهيكل فيها.

صورة متخيلة لهيكل سليمان في أورشليم


في سفر أخبار الأيام الثاني يقول النص عن عظمة ملك سليمان: " وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ"
وفي سفر الملوك الأول يقول النص عن حريم سليمان: " وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ."


يقول إسرائيل فنكلشتاين ونيل سيلبرمان عن هذه الثروة الخيالية: "هي تفاصيل أكثر مبالغة من أن تكون حقيقة فعلا"، ثم يضيفان بشكل يثير تساؤلا منطقيا: "لا يوجد لداود ولا لسليمان أي ذكر في أي نص تاريخي واحد مصري، أو ما بين النهرين"
فشلت كل التنقيبات في العثور على أثر واحد لهيكل سليمان في القدس، ورجح فنكلشتاين سبب هذا الفشل لأن القدس قبل القرن 7 ق.م لم تكن أكثر من قرية صغيرة ولم تكن بأي حال من الأحوال عاصمة لدولة عظيمة.

وفي ذات السياق يقول توماس تومسون من جامعة كوبنهاغن في كتابه (The Mythic Past)  الماضي الأسطوري: " قصص الكتاب المقدس حول شاول وداود وسليمان لا علاقة لها بالتاريخ على الإطلاق"

بينما يقول زئيف هرتسوغ بروفيسور علم الآثار في جامعة تل أبيب: " الاكتشافات الأثرية لا تدعم أبدا بل وفي كثير من الحالات تتعارض مع قصص الكتاب المقدس التي تصف ولادة الشعب اليهودي "

أما الباحثة مارغريت ستينر فتقول عن التنقيبات حول العصر الحديدي في مدينة القدس: " لا بقايا لمدينة، وإن كانت هناك مدينة في أي وقت مضى فلا أثر لأسوارها، ولا لأي من بواباتها، ولا منازلها. ولا قطعة واحدة من العمارة فيها. ببساطة لا شيء! "

وفي كتابه (In The Shadow Of The Temple: The Discovery Of Ancient Jerusalem) في ظلال الهيكل اكتشاف القدس القديمة، يؤكد عالم الآثار الإسرائيلي مائير بن دوف أنه لا يوجد هيكل تحت الأقصى.

أما كيث وايتلام  أستاذ الدراسات الدينية في جامعة "ستيرلينغ" الإسكتلندية في كتابه "إختراع إسرائيل، إسكات التاريخ الفلسطيني" فيقولها بصريح العبارة، لقد تم إستغلال الآثار لتزوير تاريخ المنطقة للتوافق مع حكاية  التوراة.. آثار المنطقة تروي حكاية أخرى.






إن كان هذا ما يقوله علماء الآثار فعن أي هيكل يبحث الصهاينة في القدس؟



أثار صدور قرار من الينويسكو الذي اعتبر الأقصى تراثا إسلاميا خالصا غضب الحكومة الإسرائيلية فقد خلا نص القرار من أسماء الأماكن في القدس بالمصطلحات اليهودية فاستخدم القرار مثلا مصطلح الأقصى وليس جبل الهيكل مما دفع نتنياهو للقول بأن اليونيسكو لم تقرأ التوراة، وقام المتحدث بإسم نتنياهو أوفير جندلمان على تويتر بنشر صفحة من كتاب للهيئة الإسلامية  سنة 1924 تقر فيه بوجود الهيكل استنادا على نص من سفر صامويل، وهذا نتيجة طبيعية للإفلاس الصهيوني، ففي ظل فشل كل أعمال التنقيب في طول فلسطين وعرضها وفي منطقة الشرق الأوسط كلها عن إثبات قصص التوراة فسيلجأ سياسيو الكيان الصهيوني لاستخدام ورقة النص الديني المقدّس.

صفحة الكتاب التي اعتمد عليها المتحدث بإسم نتنياهو والتي تشير لسفر صامويل عندما لم تسعفه الآثار في إثبات يهودية القدس


وتجدر  الإشارة هنا إلا أن أغلب تفسيرات النصوص الدينية اليهودية والمرويات التي بنيت عليها أسقطت منذ قرون قصص التوراة على القدس وما حولها، وقد وقع المؤرخون المسلمون في نفس هذا الخطأ عندما نقلوا على لسان رهبان يهود قصصا تتعلق بوجود الهيكل في القدس، فصاحب أكبر كتابين في التفسير والتاريخ أبو جعفر الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك يروي على لسان كعب الأحبار ذات القصص الي يرردها رجال الدين اليهود حول القدس والتي أثبتت الاكتشافات الآثارية بشكل قاطع عدم صحتها: " عن رجاء بن حيوة عمن شهد قال لما شخص عمر من الجابية إلى إيلياء فدنا من باب المسجد قال ارقبوا لي كعبا فلما انفرق به الباب قال لبيك اللهم لبيك بما هو أحب إليك ثم قصد المحراب محراب داود عليه السلام وذلك ليلا فصلى فيه ولم يلبث أن طلع الفجر فأمر المؤذن بالإقامة فتقدم فصلى بالناس وقرأ بهم ص وسجد فيها ثم قام وقرأ بهم في الثانية صدر بني إسرائيل ثم ركع ثم انصرف فقال علي بكعب فأتي به فقال أين ترى أن نجعل المصلى فقال إلى الصخرة فقال ضاهيت والله اليهودية يا كعب وقد رأيتك وخلعك نعليك فقال أحببت أن أباشره بقدمي فقال قد رأيتك بل نجعل قبلته صدره كما جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلة مساجدنا صدورنا اذهب إليك فإنا لم نؤمر بالصخرة ولكنا أمرنا بالكعبة فجعل قبلته صدره ثم قام من مصلاه إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل فلما صار إليهم أبرزوا بعضها وتركوا سائرها وقال يا أيها الناس اصنعوا كما أصنع وجثا في أصلها وجثا في فرج من فروج قبائه وسمع التكبير من خلفه وكان يكره سوء الرعة في كل شيء فقال ما هذا فقالوا كبر كعب وكبر الناس بتكبيره فقال علي به فأتي به فقال يا أمير المؤمنين إنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة فقال وكيف فقال إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه ثم أديلوا فلم يفرغوا له حتى أغارت عليهم فارس فبغوا على بني إسرائيل ثم أديلت الروم عليهم إلى أن وليت فبعث الله نبيا على الكناسة فقال أبشري أورى شلم عليك الفاروق ينقيك مما فيك وبعث إلى القسطنطينية نبي فقام علىتلها فقال يا قسطنطينية ما فعل أهلك ببيتي أخربوه وشبهوك كعرشي وتأولوا علي فقد قضيت عليك أن أجعلك جلحاء يوما ما لا يأوي إليك أحد ولا يستظل فيك علي أيدي بني القاذر سبأ وودان فما أمسوا حتى ما بقي منه شيء (تاريخ الرسل والملوك للطبري)"

قصص التوراة لم تحدث في فلسطين، أعمال فرج ديب والصليبي والربيعي والدبش وعدد كبير من الباحثين والمفكرين كشفت النقاب عن الجغرافيا الحقيقية لهذا الكتاب وأظهرت بشكل لا يدع مجالا للشك أنه لا علاقة بين الصهاينة الذين يحتلون فلسطين وبين بني إسرائيل القبيلة العربية القديمة، وبالتالي فإن الصهاينة لا حق لهم لا في فلسطين ولا غيرها.



في هذه الأيام تمر الذكرى التاسعة والتسعون لوعد بلفور المشؤوم الذي تعهد بموجبه وزير خارجية بريطانيا  آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2  نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد بتأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. اليوم لدينا كل القرائن التي تؤكد أنه لا حق تاريخي لا للصهاينة ولا لليهود في كل فلسطين، وعلى كل العالم أن يدرك هذه الحقيقة ويساهم في إعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني عبر استعادة حقوقه كاملة غير منقوصة.



لقد أسكت الساسة ورجال الدين صوت الآثار في المنطقة لعقود طويلة، وحرموا المنطقة من كتابة تاريخها الصحيح والتخلص من التاريخ المزوّر الذي جلب للمنطقة الحروب والخراب.. في هذا العالم المتصل لنستمع قليلا لصوت الآثار ولنطالب بتصحيح تاريخنا، فذلك سيسارع حتما في تخليص العالم من هذا الكيان العنصري الصهيوني وما يسببه من كوارث في عالمنا.

مصادر:
1- Margreet Steiner: It's Not There: Archaeology Proves a Negative (http://www.truthbeknown.com/jerusalem.htm)
2- https://www.goodreads.com/book/show/12928949-in-the-shadow-of-the-temple
3- مقبرة عسقلان: http://news.nationalgeographic.com/2016/07/bible-philistine-israelite-israel-ashkelon-discovery-burial-archaeology-sea-peoples
4- اكتشاف حامية تل حبوة في الإسماعيلية: http://www.reuters.com/article/us-egypt-archaeology-idUSTRE5465N120090507
5- الجمال في فلسطين: http://news.nationalgeographic.com/news/2014/02/140210-domesticated-camels-israel-bible-archaeology-science/



السبت، 15 أكتوبر 2016

لماذا أغضب قرار اليونيسكو ساسة إسرائيل وما الفائدة المرجوة منه؟


بالأمس جرى التصويت في اليونيسكو على مشروع قرار تقدّمت به كل من الجزائر ومصر والمغرب ولبنان وقطر وعمان والسودان، وصوّت لصالح القرار 24 دولة وعارضته 6 وامتنع عن التصويت 26 دولة، وسيعاد التصويت على القرار بشكل نهائي يوم الإثنين القادم.
القرار ليس ملزما ولا يمكن إستخدام حق الفيتو ضده، ورغم ذلك فقد أثار غضب الصهاينة بشكل كبير، وثارت ثائرة سياسييهم وأصدروا بيانات اعتراض، وعبروا عن ذلك على مواقع التواصل الإجتماعي، وأجمعت كل مواقع الصحافة الإسرائيلية والعالمية على تناول خبر هذا القرار مقابل صمت شبه مطبق من الصحافة العربية.
سبب الغضب الإسرائيلي هو ما تضمنه هذا القرار من إنكار لحق اليهود في القدس والقدس الشرقية تحديدا، فالقرار لا يقول صراحة أنه لا علاقة بين القدس والتاريخ والديني اليهودي وإنما يقول ذلك ضمنا، فهو يُسمّي المسجد الأقصى بإسمه ولا يقول جبل الهيكل، ويعتبر الحائط الغربي وباب المغاربة أجزاء تابعة للأقصى ويستنكر أعمال الحفر التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وسياسة التضييق على الأوقاف الأردنية ومشروع المصعد عند الحائط وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، وبذلك فالقرار يقول أن ما هو داخل أسوار الأقصى والقدس هو أبنية إسلامية ولا علاقة لليهود بها.
كيف فهم الإسرائيليون القرار؟
نفهم ذلك من ردود الفعل والتصريحات، فقد قال نتنياهو أن اليونيسكو لم تقرأ التوراة، أي أن اليونيسكو لا تعرف أن الأقصى هو جبل الهيكل، وأن نفي علاقة القدس باليهودية هو شبيه بنفي العلاقة بين الصين وسورها العظيم وبين مصر وأهراماتها، لكن ما لم ينتبه له نتنياهو هو أن القرار يربط بين مسجد قائم وأبنية تاريخية مع شعب فلسطيني موجود، تماما كما هو الحال بين الصين وسورها القائم ومصر وأهراماتها الماثلة أمام العالم كله، في حين أن الصهاينة يرّوجون لهيكل فشلت كل أعمال التنقيب في العثور على أثر واحد له.
وبالتالي فالمصادقة على القرار وإستثماره بشكل صحيح يعني أنه:
- إقرار بعدم وجود أي أثر يؤيد المزاعم اليهودية في المدينة
- لا يمكن أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل
- لا يمكن أن تكون القدس يهودية
- دولة إسرائيل المزعومة لا أورشليم لها
- لا يمكن المطالبة بيهودية الدولة طالما أن أورشليم ليست القدس
أولى خطوات التصعيد الإسرائيلي كانت إعلان مقاطعة اليونيسكو ومطالبة دول أوروبية بالمثل، وهو أمر يجب أن يدفع الديبلوماسية الفلسطينية والعربية عموما للتأمل في ردة الفعل الغاضبة هذه وإدراك أهمية هذا القرار وما يتضمنه وكيفية إستغلاله إلى أبعد حد. ويمعنى آخر وخوصوصا بعد إنضمام فلسطين لليونيسكو، فبإمكانها المطالبة بحماية التراث والمقدسات والمطالية تدريجيا بإيقاف عمليات التنقيب والتوسع اليهودي في المدينة.
ولو أني شخصيا لا أعول على هذه الديبلوماسية، والتي قد تعتبر القرار ورقة تفاوضية، لكن يجب أن أشرح سبب سعادتي بهذا القرار، فمنذ سنوات قدم عدد كبير من الباحثين العرب أعمالا تبحث عن الجغرافيا الحقيقية لقصص التوراة، واتفق عدد كبير منهم على أن هذه الجغرافيا تتطابق مع جغرافيا الجزيرة العربية وتحديدا الجنوب الغربي منها، وقد تفاوتت أساليب الطرح والتناول والمصادر التي اعتمد عليها هؤلاء الباحثون الذين أذكر من بينهم فرج ديب و احمد عيد وكمال الصليبي و المفكر العربي فاضل الربيعي و أحمد الدبش لكن هذه اللأعمال لم تلق التجاوب المناسب على الصعيد العربي ولم تدفع الساسة العرب لتناول الموضوع بشكل جدي وإتاحة المجال لأعمال تنقيب ومراجعة لآثار المنطقة أو لدفع الأكادمين العرب لتسليط الضوأ على الموضوع وتناوله بحثا وتمحيصا. ليأتي قرار من اليونيسكو ليثير ضجة عالمية ويكشف بشكل لافت للانتباه عن الغضب الإسرائيلي بسبب هذا القرار الذي يتزامن مع جدال في الأروقة الأكاديمية الغربية حول عدم صحة التاريخ التوراتي الذي تم إسقاطه على المنطقة والذي تناوله عدد من الكتب والمقالات لعلماء توراتيين وباحثي آثار. ولحسن الحظ أن كتابي فاضل الربيعي "القدس ليست أورشليم" و"أسطورة عبور الأردن" قيد الترجمة إلى اللغة الإنجليزية وسينزلان قريبا للأسواق، ليساهما في وضع ملف التاريخ التوراتي على طاولة النقاش والجدل الأكاديمي في دول الغرب الذي أيد ولا يزال الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
أي أن المطلوب (في غياب جهد فلسطيني بالدرجة الأولى وعربي بالدرجة الثانية على الصعيدين والسياسي والأكاديمي) هو أن يتم مناقشة التزييف الذي حصل في تاريخ المنطقة والعالم باعتماد قصص التوراة كمرجع تاريخي دون الاستناد على وثائق وآثار المنطقة، وأن تكف قوى عالمية من دعم الاحتلال الصهويني لفلسطين.
ما نريده حقا هو أن نعيد لفلسطين وللمنطقة تاريخها المسروق، وأن نكف عن ترديد تاريخ توراتي يبحث عن سراب هيكل ليمنح حقا لعصابات متعددة الجنسيات في احتلال أرض شعب آخر.

رابط مشروع القرار:  http://unesdoc.unesco.org/images/0024/002462/246215e.pdf





السبت، 8 أكتوبر 2016

لا خوف من تصحيح التاريخ: هبّ مسرح التوراة اليمن؟

لطالما شغلني موضوع قصص الأنبياء، فقد قرأت كثيرا من الكتب في هذا المجال، وشاهدت الكثير من الأعمال الدرامية والأفلام الوثائقية، وتفحصت آيات القرآن مرارا وتكرارا، دراسة ومقارنة وتحليلا، راجعت أغلب التفاسير، وانشغلت كثيرا بالبحث عن أماكن حدوث تلك القصص، فتارة أبحث عن الجودي (التي وردت بالقرآن) حيث استوت سفينة نوح، وتارة أبحث عن قرية قوم لوط، وتارة أخرى عن مكان شرقي القدس حيث يمكن أن تنتبذ امرأة حامل لتضع مولودها، أو عن بئر في طريق مصر حيث ألقى أبناء يعقوب أخاهم يوسف أو عن "مقبلة" (مكفيلة) حيث يرقد إبراهيم وسارة وأبناؤهما وزوجاتهم، أو عن مقام إبراهيم أو الوادي المقدس  أو الشجرة المباركة أو مجمع البحرين وغيرها من الأماكن التي ارتبطت بقصص الأنبياء.

سبب هذا الاهتمام أولا معرفة الحقيقة فيما يخص قصص الأنبياء خصوصا وأنه توجد من القصة الواحدة عدة روايات وتفسيرات وثانيا فهم جذور القضية الفلسطينية وفك طلاسم لغز الأرض الموعودة التي منحها الرب في التوراة لشعب آخر دون أن يمنح شعبها أرضا بديلة مما سبب لهم معاناة لم يعرفها أي شعب آخر على هذه الأرض من احتلال وقتل وتهجير على مدى قرون، وبالمحصلة إيجاد حل لهذه القضية التي استعصى حلها على دعاة الحرب والسلام.

كنت أستخدم ما توفره لي الشبكة العنكبوتية من وسائل في أبحاثي، فأستعين بمحركات البحث لإيجاد الكلمات والمعاني والمقالات والأبحاث والكتب والفيديوهات والخرائط والصور، كنت أجمع المعطيات وأحلل وأقارن، أحيانا كنت عندما أعثر على معلومة بين ثنايا كتاب أو مقال وأجد ما يؤكدها في الصور والخرائط أشعر بسعادة غامرة وأعتقد أني أمسكت بطرف الخيط الذي سيوصلني للحقيقة، لكن سرعان ما يتبدد ذلك الشعور بعد قليل من البحث وتحكيم العقل.

في 2012 سنحت لي فرصة انتظرتها طويلا، فقد حصلت على تصريح لزيارة فلسطين، كانت فرحتي لا توصف، لم أصدق أن ذلك حدث بالفعل إلى أن عبرت الجسر ووجدت أخي في انتظاري، ركبنا السيارة وانطلقنا وبقيت عيناي طول الطريق تتأمل المكان وتضاريسه وألوانه وأسأل نفسي، هل حقا هنا حدثت كل تلك القصص.. وضعت برنامجا سريعا للأماكن التي يجب أن أزورها فكان أهمها المسجد الإبراهيمي حيث توجد أضرحة للنبي إبراهيم وأبنائه وزوجاتهم، وكنيسة المهد ودير مار سابا والفريديس ودير قرنطل وينبوع أليشع ومقام النبي موسى ووضعت أيضا قائمة لأماكن في القدس رغم أن تصريحي مقتصر على الضفة الغربية وكل محاولاتي بالتسلل للقدس من مداخل مختلفة باءت بالفشل.

انتهت زيارتي، وعدت أدراجي إلى عمّان، كنت في غاية السعادة لأني تمكنت من رؤية أهلي وبلدتي وزيارة قبر أبي الذي وافته المنية قبل زيارتي بأشهر والذهاب إلى كل تلك الأماكن المرتبطة بقصص دينية، لكن بالمقابل كنت منزعجا لأني لم أمسك بطرف خيط واحد في طريق البحث عن الحقيقة... فقد اقتنعت أكثر أن كل تلك الأماكن ليست إلا مزارات اعتاد الناس على مدى قرون زيارتها وإعطاءها هالة من قداسة.

لم يدم ذلك طويلا فبعد زيارتي لفلسطين بأسابيع، عاودت عملية البحث وقرأت نداء السراة لجمعية التجديد وأبحاث ومقالات متنوعة تُجمع كلها على أن جغرافيا قصص الأنبياء ليست في فلسطين ولا علاقة لجمهورية مصر العربية بمصر القرآن والتوراة.

 اتخذت وقتها قرارا بأن أعتمد اعتمادا كليا على النص القرآني لفك لغز جغرافيا قصص الأنبياء، وبدأت أجمع الآيات المرتبطة بموضوع محدد وأقوم بتحليلها واستخدام العقل والمنطق لاستخلاص ما يمكن أن يكون دليلا على موقع جغرافي أو على أقل تقدير دليل نفي على أن قصة معينة لم تحدث في مكان ما لأن ذلك يتعارض مع العقل ومع النص القرآني، لكني بعد فترة من العمل والبحث اكتشفت أن ما أقوم به لن يأخذني لأي شيء جديد أبدا.

في تلك الأثناء شارك أحد المغردين الذين أتابعهم على تويتر رابط مقال يتحدث عن كتاب فلسطين المتخيلة لفاضل الربيعي، يشرح فيه كيف أن صاحب الكتاب يطرح فكرة مفادها أن اليمن هو الجغرافيا الحقيقية لأحداث التوراة واعتمد في أبحاثه التي أوصلته لهذه النتيجة على كتاب التوراة وعلى كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني والشعر الجاهلي. سارعت بالحصول على نسخة من فلسطين المتخيلة ونسخة من التوراة وحملت كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني وبدأت رحلة القراءة والتدقيق، كنت أضع الكتب أمامي أتأكد وأقارن وأبحث على الشبكة العنكبوتية، أراجع الخرائط ومواقع التقسيمات الإدارية لليمن وأبحث داخل المحافظات والمديريات والقرى والعزلات وفي المواقع السياحية التي تتحدث عن آثار اليمن.

كان مثيرا للاهتمام والدهشة أن تكون أغلب الأماكن الواردة في فقرة من التوراة مذكورة في كتاب الهمداني وموجودة في اليمن، لكن الأهم هو تكرار هذه العملية في كل مرة أدقق فيها نصا، وحتى وإن كان عدد الأماكن الموجودة متفاوتا من نص لآخر إلا أن التكرار هو الذي رجح صحة نظرية  الربيعي.

نظرية الربيعي بالنسبة لي كانت مقنعة جدا لكن كانت هناك مشكلتان: الأولى أن بعض أسماء الأماكن الواردة في كتاب فلسطين المتخيلة يقابلها في اليمن أماكن بعيدة نسبيا عن أماكن أخرى وردت في نص واحد، مما يعني أن هناك أماكن عديدة تحمل ذات الإسم بعضها باق وآخر اختفى، والثانية أن هذه النظرية بحاجة لآثار ونقوش ومخطوطات تؤكدها.

بعد قراءة فلسطين المتخيلة بدأت البحث عن كل الكتب التي تهتم بنفس الموضوع، فقرأت للصليبي وفرج ديب وزياد منى  وغيرهم، لكني تفاجأت عندما عرفت أن هناك من غير العرب من يناقش ذات الموضوع لكن من زاوية أخرى، نعم كيث وايتلام وإسرائيل فينكلشتاين وغيرهما يؤكدون في كتاباتهم أن قصص التوراة لا يمكن أن تكون قد حدثت في فلسطين، فقد حدث تزوير هائل في التاريخ، فآثار فلسطين والمنطقة تروي أحداثا مختلفة تماما عن قصص التوراة.

وفي الآونة الأخيرة ظهرت على مواقع التواصل نقوش بخط المسند ترد فيها مصطلحات كثيرة وردت في التوراة، كان ذلك دافعا للبحث عن النقوش والمخطوطات اليمنية القديمة، رغم أن معرفتي بلغة المسند تقترب كثيرا من معرفتي بالسنسكريتية إلا أنه من حسن حظي أن موقعا إيطاليا مختصا يوفّر كتابات النقوش بالأحرف اللاتينية وترجمات بعضها إنجليزي وبعضها فرنسي وبلغات أخرى أيضا، وسرعان ما اعتدت على الموقع واكتشفت تقنيات البحث السريع فيه، وكانت سعادتي بالغة عندما عرفت أن كلمات "مصر" و"ومصرن" وردت أكثر من ستين مرة في هذه النقوش  ووردت ضمن أماكن يمنية قديمة مثل سبأ وحضرموت وذي ريدان، وحتى كلمة إسرائيل وردت أربع مرات في هذه النقوش وفي أحدها ترد كلمة مصر أيضا.

نقش CIH 543 الذي تظهر فيه كلمتا إسرائيل ومصر


بالعقل فإن ورود هاتين الكلمتين تحديدا وغيرهما من الكلمات في النقوش اليمينة أمر له دلالته وهو يخدم بشكل كبير نظرية جغرافيا التوراة في جنوب الجزيرة العربية وفي اليمن تحديدا، ولحساسية الموضوع فقد أثار ردود فعل متفاوتة بين المؤيد والمشكك والرافض رافضا قطعيا لهذه النظرية وهذا أمر طبيعي، وشخصيا أتمنى أن تتم مناقشة هذه النظرية بشكل علمي بعيدا عن التراشق والتشكيك، وأن تتخذ البحوث والدراسات منحى أكاديميا.

وفي الختام وبعد ما لاحظته من ردود الفعل المتفاوتة من قضية أن اليمن هي الجغرافيا الحقيقية للتوراة،  لي رأي شخصي أحب أن أسجله هنا في مجموعة نقاط:
-          إن البحث عن الجغرافيا الحقيقية لقصص التوراة والقصص الدينية بشكل عام يساهم في تصحيح التاريخ الذي تم تدوينه بناء على القصص الدينية وليس على أحداث تاريخية موثقة بالآثار والنقوش؟
-          أن يكون اليمن هو الجغرافيا الحقيقية للتوراة فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه الأرض الموعودة
-          الصهاينة لا يمثلون بأي شكل من الأشكال بني إسرائيل الذين جاء ذكرهم في التوراة والقرآن ولا يحق لهم بأي شكل من الأشكال المطالبة بحق لا في فلسطين ولا في اليمن
-          أن يكون اليمن مسرحا لجغرافيا التوراة ليس تأكيدا ولا نفيا على حدوث قصص الأنبياء
-          ما يمكن إستنتاجه من تطابق أسماء الأماكن  والقبائل الواردة في التوراة مع أسماء الأماكن والقبائل في اليمن هو أن كاتبي النص التوراتي اعتمدوا على الجغرافيا اليمنية  لتدوين قصص أو أساطير محلية أو مستوحاة من قصص وأساطير شعوب أخرى.