الأربعاء، 20 يونيو 2012

الثورة وحاميها

كان الجميع يشيد بدورهم، بحمايتهم للثورة، بوقوفهم مع شعبهم، ولم أكن قادرا على تصديق ذلك، كنت مع الذين رأوا أن في ذلك التفافا على الثورة، كان صعبا عليّ أن أصدق أن جيشا يقف على الحياد بين شعب وطاغيته، بين شعب وعصابات تابعة لوزارة داخلية الطاغية تطلق النار على الشعب الأعزل وهو يقف على الحياد. كنا نسمع خبرا من هنا ومن هناك عن مكالمات هاتفية مطوّلة بين وزير الدفاع الاسرائيلي ووزير الدفاع الأمريكي ووزير الدفاع المصري حينها، وما كنا نعرف نصدق أم نكذب، إلى أن حانت اللحظة الحاسمة، المخلوع يتنحى والبيان يقرأه نائبه واللواء يضرب التحية للشعب... نقطة سنعود للسطر

هم حماة الثورة، هم الخط الأحمر، لا تتطاولوا عليهم، هكذا قال الكثيرون ممن طالت لحاهم أو من اتسعت ذمتهم، اسكتوا فهناك اعلان دستوري لأجلكم، ستستفتون عليه فوافقوا، وفعلا تمت الموافقة عليه بنسبة كبيرة ، ورغم أن المجلس العسكري اعتبر هذا الاستفتاء عليه  هو لا على الاعلان الدستوري  لكن لأول مرة يفرح المصري للون الحبر على أصابعه، فقد كانت به رائحة ديموقراطية

  أجمل ما في حماية الثورة أنه كان حماية أيضا لأعوان النظام السابق: واتجهت الحماية في اتجاه آخر، طائرة تقتاد المخلوع إلى شرم الشيخ ثم إلى مستشفاها العالمي، وتدارت  شخصيات النظام عن الأنظار وأُسدل الستار عنهم ولم توجه لهم أية تهم، وكأنهم قد غادروا المسرح ليعودوا إليه  في فصول أخرى قادمة

وطبعا الكل يذكر كم حاول جلادو النظام السابق التملص من جرائمهم، فهنا أقسام تحرق وهناك أوراق تتلف وفي هذا البيت أوذاك  من بيوت أهل الشهداء ملتح يقدم الدية باسم الدين في مشهد أقل ما يقال عنه: حق يبرؤ به مجرم، وما من جهة توقف هذا الهزل وترفع شعار سيف القسط فوق الجميع

ولا أحد ينسى الفتن الطائفية التي كانت توقد،  من بناء كنيسة إلى اسلام  أمرأة مسيحية ثم تختفي، تقوم الدنيا ولا تقعد ويخرج الناس مطالبين بأختهم، وتصبح هذه المواضيع الشغل الشاغل للشاشات والصحف والناس وسرعان ما تتلاشى هذه القصص، لكن للأسف بعد أن تأخذ معها الكثير من الدماء والوقت، دون أن يُعرف من أوقدها أو لما لم تتخذ اجرارءات حقيقية صارمة لايقافها من بدايتها

طبعا من حماية الثورة أن يصبح للشعب مجلسان واحد للشعب وآخر للشورى، وعلى الجميع المشاركة، ستعد العدة لانجاح هذه الانتخابات، السباق حماسي  ومثير، ودور العبادة  صارت مراكز للدعاية الانتخابية وتمت الانتخابات وقبل الجميع بنتيجتها، لأنها تعكس ارادة شعبية، ولم يكن أحد يعلم أن اول مجلس للشعب والنابع من انتخابات شهد الجميع بنزاهتها سيلغى  ويعود التشريع بعدها للمجلس العسكري، في مشهد متواصل لحماية المجلس عفوا لحماية الثورة

ولا أحد يستطيع أن ينسى حماية المجلس للدولة من العديد من الجواسيس الذين كانوا يجوبون الشوارع يلتقطون الصور ويحصلون على أسرار الدولة من أفواه العامة على المقاهي، وان لم تصدقوا فاسألوا الخبراء الاستراتيجيين  كيف يحمي المجلس الثورة من الجواسيس، وأيضا كيف يحميها من المنظمات التي تعمل بتمويل أجنبي مشكوك في أمره وخصوصا أنه آت من العدوة أمريكا التي لا تعطي أموالا لأحد بحسن نية وبالتالي كان يجب اغلاق مكاتب هذه المنظامت وتحويلها للقضاء الذي كانت أبوابه الخلفية متصلة بخرطوم يصل إلى باب طائرة، مشهد عجز الخبراء الاستراتيحيون على شرحه، لكن المهم أن الحماية مستمرة

واستوجبت الحماية أيضا أن يبدأ  سباق الرئاسة حتى تسلّم الرئاسة لرئيس منتخب، وحتى يكون المشهد أكثر اثارة وجب ادخال الشخصيات التي توارت عن الأنظار إلى المسرح ثانية، نائب الرئيس السابق، ورئيس الحكومة السابق، وكله طبعا في سياق حماية الثورة، البعض يصيحون هؤلاء فلول يجب أن يعزلوا، والبعض الآخر لم يبال في مشهد لا يمكن وصفه الا بالصفقة، وفعلا حدث ما لم يكن في حسبان أحد، نتيجة لم يتوقعها أعتى المحللين والمتابعين: رئيس الحكومة السابق في الاعادة، لكن لا تخشوا فقد أكد المجلس على حمايته للثورة، وسيتضح ذلك بعد أيام في محاكمة القرن

يوم احتبست فيه الأنفاس، انتظرته أمهات الشهداء، يوم العدالة المنشودة، بدأت جلسة النطق بالحكم، وربما لأول مرت تضمن الحكم المكتوب بخط اليد كما قال القاضي  مقدمة أطول من الحكم نفسه، المخلوع ووزير داخليته يحصلان على المؤبد ويحصل مساعدو الوزير وأبناء  المخلوع على البراءة، حكم وصفه الجميع أنه سياسي لا يمت للقانون بصلة. تعالت الأصوات في المحكمة وخارجها: الشعب يريد تطهير القضاء، لكن جولة الاعادة على الأبواب، والرئاسة أهم من العدالة عند البعض، لكن للأمانة أحد المرشحين وعد بتشكيل لجنة تحقيق لاعادة محاسبة كل من أجرم

وقبيل الانتخابات ، وفي توقيت حساس وخطير، تحتبس الأنفاس مجدد لسماع الحكم في قضيتين مختلفتين، الأولى لتطبيق العزل على المرشح الرئاسي القادم من كنف النظام السابق، وآخر للبت في دستورية ثلث مجلس الشعب المنتخب من الشعب، وجاء الحكم صادما للدنيا كلها: مجلس الشعب باطل كله باطل ليس الثلث فقط، وعزل مرشح النظام السابق أيضا باطل، وهنا مهمة حماية الثورة استوجبت ، أن يتحول التشريع إلى المجلس العسكري وأن يعيّن لجنة في ديوان الرئاسة وأن يصدر اعلانا دستوريا مكمّلا يتماشى مع الظروف التي فرضها القانون، فالرئيس القادم لا سلطة له على الجيش، ولا يملك قرار الحرب، والدستور القادم ولجنته التأسيسة تخضعان لمعادلة متعددة الأطراف يصعب السيطرة عليها

وجاء هذا الاعلان الدستوري قبيل اعلان النتائج لتفسد فرحة كل من رغبوا في اسقاط مرشح النظام السابق، لكن للأمانة فقد أعلن المجلس العسكري أنه سيسلّم السلطة في آخر الشهر للرئيس المنتخب  الكاملة صلاحياته الا مما انتقص منها في الاعلان الدستوري المكمّل في حفل سيقام بهذه المناسبة . وحينها سيزاح حمل حماية الثورة عن كاهل المجلس، الا اذا استدعت الظروف استمرار الحماية مدة أطول، حينها سيكون المجلس مضطرا للحماية مدة أطول الله أعلم كم ستمتد

ثورة 25 يناير شهد لها العالم كله أنها  كانت أجمل وأرقى الثورات في التاريخ،  فهذ الثورة السلمية  قامت ضد عشرات السنين من الظلم وأحكام الطوارئ وسلطة جلادي النظام، وسرقة أموال  الشعب وامتهان كرامته، هذه الثورة أيها المجلس لم تقم على شخص مبارك، بل على نظام عاث في مصر فسادا عشرات السنين، فلا تحموا الثورة من مبارك بل احموها من نظامه الذي أنتم أنفسكم أحد أركانه، فهل تستطيعون حماية الثورة منكم؟

اتركوا الثورة تحقق أهدافها ولا تقفوا عائقا في طريقها، فإن كنتم لا تستطيعون فخلوا عنكم واجب الحماية، لهذه الثورة شعب وللشعب رب يحميه

الاثنين، 18 يونيو 2012

افرحوا لقد خسر شفيق وقد كان قاب قوسين أو أدنى

لا أخفي اندهاشي من هذا التقارب الشديد في نسبتي التصويت بين مرسي وشفيق، والذي يعني أن شفيق كان قاب قوسين أو أدنى من الرئاسة، بالرغم من أن مرسي  قد حصد أصوات مؤيديه من الاخوان وحلفائهم الاسلاميين وشباب الثورة الذين آثروا عدم المقاطعة أو الابطال لصالح اسقاط شفيق، وعامة الناس الذين رأووا في شفيق خطرا وامتدادا لنظام مبارك، وبالرغم من كل هؤلاء كانت نسبتا التصويت متقاربتين جدا، شخصيا لا أملك تفسيرا فهل تملكون؟


فاز مرسي، وفرح من فرح في مصر وخارجها، لكن عقولا كثيرة انتقص من فرحتها اعلان دستوري مكمّل أصفه بالاستدراكي قبيل اكتمال فرز الأصوات، يحدّ من صلاحيات الرئيس القادم ويلفّ الجيش بخطوط حمراء، يُمنع الاقتراب منها، ويعطي الجيش حق التشريع ويضع الباب مفتوحا لكل التكهنات فيما يخص اللجنة التأسيسية والدستور، خطوة اعتبرها البعض انقلابا وشكل من أشكال عدم تسليم السلطة، واعتبرها البعض في سياق خطة مدبّرة وضعها دهاة وخاصة بعد الغاء البرلمان كسلطة تشريعية في البلاد حتى لا تكتمل مفاتيح السلطة مع طرف واحد، ليس خوفا على مصر ولكن خشية على وضع الجيش نفسه كما ورد في أول مادة معدلة في الاعلان الدستوري.


الآن وقد صار مرسي رئيسا، فهنيئا له ولكل من أيّدوه حبا فيه أو نكاية في شفيق، لكن عليه أن يدرك أنه مدين لمصر والعالم العربي والاسلامي بوعود قطعها على نفسه، أولها تحقيق العدالة في مصر، وتشكيل لجان تحقيق لمحاكمة قتلة شهداء الثورة، وثانيها تحقيق أهداف الثورة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، ولينظر بكلتا عينيه إلى غزة، فقد طال حصارها، أعلم أن ذلك صعب لكنك مطالب يا أخ مرسي به.
على مرسي والاخوان أن يدركوا أنهم ما كانوا ليصلوا إلى كرسي الرئاسة لولا مشيئة الله ودعم أطياف الثورة لهم، فلا يغتروا بأنفسهم وليمدّوا أيديهم لمن دافع عنهم، لمن لم يطعنهم لا من قُبُل ولا من دُبر، لشركائهم في الثورة وابنوا جميعا مصر الكبيرة التي تتسع للجميع.


لا شك أن الفرح بخسارة شفيق وفلول النظام السابق شعور جميل ويحتمل بعض الشماتة أيضا، لأنني أعلم وتعلمون أنهم لو فازوا بها لأشبعوا الدنيا شماتة وشتما لشهور عديدة، فبالأمس فقط كان أحدهم على الشاشة يشتم ويسب شباب الثورة بأقذر الكلمات، التي يستقيها من زريبة حيوانات، فما بالكم لو فاز. لكن بعد الفرحة يجب أن يتذكر الجميع أن من صوتوا لشفيق عددهم ليس بالبسيط وهم جزء من هذا البلد على اختلاف مرجعياتهم السياسية والدينية، ويجب أن يشعروا بالاطمئنان والأمان في هذا البلد، فهم اخوة لا أعداء، فان كانت مخاوفهم مبنية على أساس ديني فيجب أن يشعروا بالأمان على دينهم وبأخوة ومحبة الآخرين لهم، وان كانت مخاوفهم اقتصادية فيجب العمل على تأمينها وتوفير الأمن والمساعدة لهم، حينها سيتحولون تدريجيا من فلول وأتباع نظام سابق إلى مواطنين فاعلين يعشقون عيشة الحرية.


أعلن منذ قليل فاروق سلطان فوز مرسي وسقوط شفيق، الحمد لله، افرحوا يا أهل مصر، احمدوا الله، اذكروا الشهداء، عيشوا نصر ثورتكم، أسسوا لمستقبل أولادكم


لكن إلى حين أن تكتمل الفرحة، إلى حين أن يسلّم العسكر السلطة، إلى حين أن تتحقق العدالة على أرض مصر، إلى حين تقوم مصر وتشدّ من حيلها، افرحوا يا أهل مصر فقط سقط شفيق وقد كان قاب قوسين أو أدنى...

الجمعة، 15 يونيو 2012

14 يونيو يوم للذكرى وللنسيان

كان يوما طويلا، بأحداثه، بأنفاس احتبست، بعيون تطلعت في اتجاه واحد: محكمة دستورية عليا، أمامها قضيتان للبت. وجاءت ساعة النطق بالحكم، خلاصة القول، مجلس الشعب باطل وعزل شفيق باطل.


تسارع البعض لقبول الحكم بروح رياضية ذات طابع سياسي، والسياسة هنا خلاف الرياضة فالأولى فيها كثير من الرياء والثانية مواجهة.


ثم جاء مؤتمر اعلان النصر منطلقا على أنغام نشيد بلادي بلادي : وأعلن شفيق في خطاب بدا للجميع معدا سلفا أن الحكم ينهي زمن تصفية الحسابات، وقدّم سيلا من التعهدات، ثم أنهى منشدا بلادي بلادي... في مشهد من التكلّف الوطني الذي يصعب تصديقه.


ثم جاء مرشح الاخوان واعتلى  منصة  مايكروفونات وصاح غاضبا: القرار ظالم وسنرضى به وطريقنا في ضي الصناديق والشارع الطويل فكرني يا حبيبي بالموعد الجميل يوم السبت والأحد. انزلوا إلى الصناديق وسنموت دونها.


كان يوما للنسيان، حتى لا نذكر ظلم المحاكم، حتى لا نذكر مقولة اكتشف زيغها الجميع بأن المجلس العسكري حمى الثورة، حتى لا نذكر صلف شفيق، حتى لا نذكر تهافت بعض النخبة على قبول ما لا يقبل، حتى لا نذكر موقف الاخوان يديرون الخد تلو الخد ويلدغون من الجحر تلو الجحر، حتى لا نذكر حزن كل الشرفاء، وحنى لا نذكر حسرة أهالي الشهداء.


هذا كان يوم للذكرى: حتى لا ننسى أن أنصاف الحلول لن ترقى أبدا لتكون حلولا إلا عند أنصاف ثوار يرضون بأرباع الحلول ولا يحصلون على شيء في نهاية المطاف، يوم للذكرى حتى لا ننسى أن القرار الثوري لا يحتمل رعونة السياسة، يوم للذكرى حتى لا ننسى أن من يفرط في العدل ولو لحين سيشرب من كأس الظلم لوقت طويل، يوم للذكرى حتى لا ننسى أن على ثرى مصر سالت دماء في كل ميدان وشارع، سالت من أجل شعار واحد: عيش حرية كرامة اجتماعية فلا تنسوا.