الأحد، 16 ديسمبر 2012

عندما تكون خطبة جمعة عن الدين والاقتصاد والسياسة وأشياء أخرى




اعتلى الخطيب منبر المسجد... حمد الله ثم بدأ يخطب في المصلين، وكان موضوع الخطبة النظام الاقتصادي الإسلامي ومؤامرات الغرب ضد دول العالم الإسلامي.


بدأ الحديث عن تحريم الربا ولإثبات ذلك قرر أن يخوض في الآثار السلبية لاستخدام الربا على دول الغرب وفوائد عدم استخدامه في الدول الإسلامية، ولإثبات السلبيات قرر الخطيب أن يعلن أن الغرب يعاني من نسب عالية جدا في البطالة ومن الأمراض النفسية والعصبية والكوارث الطبيعية والاقتصادية ويتلخص ذلك في موقف واجهه أحد الدكاترة المسلمين أثناء دراسته في الولايات المتحدة عندما كان يشارك في حفل وعند تقديم خمر له امتنع عن الشرب، فسألته دكتورة أمريكية: "ألا تشرب؟ فأجاب بالنفي، فسألته وهل تستطيع النوم دونه، فأجاب بالإيجاب، فقالت:"نحن لا نستطيع النوم دون أن نشرب الخمر حتى ننسى همومنا" ثم علّق أن المسلمين لا هموم لهم تضطرهم لشرب الخمر لنسيانها!!!


ثم عرض لفوائد تطبيق أفكار إسلامية ومن الأمثلة التي ذكرها لأحد المفكرين المسلمين ألقى محاضرة في مؤتمر أسلامي في بنغلادش تأثر بها رئيس الدولة فقرر أن يزرع الأرز بنفسه ثم شرح كيف تحولت بنغلادش إلى دولة منتجة للأرز.


ثم ذكر قصة جميلة حدثت معه شخصيا، عندما سأله منذ سنوات أحد الشخصيات الأمريكية لماذا تخوضون على المنابر في أمور إقتصادية وسياسية وعلمية وغيرها من شؤون الحياة، فأجابه الخطيب أن الإسلام شامل لكل شيء ويعالج كل شيء.


ثم ذكّر الخطيب المصلين بكراهية الغرب للمسلمين وأنهم يكيدون لهم، ويرسلون لهم أدوية فيها نسب من مواد ضارة بغية تقليل عدد المسلمين والتقليل من خطرهم على العالم، ثم ختم الخطبة بقصة يحب أن يذكرها كثيرا: قصة مستشار نيكسون الذين طلب منه نيكسون تأليف كتاب عن المتطرفين الإسلاميين وبعد سنة من الدراسة أعلن هذا المستشار إسلامه والمغزى من القصة طبعا أن الله يجعل كيدهم في نحورهم كما أوضح الخطيب.


دعا الخطيب الله والمصلون يردون "آمين" بأن ينصرنا على أعدائنا ويدمّرهم ويصلح حال ولاة أمورنا ثم طلب إقامة الصلاة.


توجهت بعد صلاتَيْ الفرض والسنة إلى الخطيب وجلست أمامه، وانتظرت حتى انصرف المصلون من حوله، سلمت عليه ثم سألته عن مصدر معلوماته الإقتصادية والعلمية التي يلقيها على مسمعنا من على المنبر، سكت برهة ثم أجاب من بعض القراءات، ثم سألته عن مستشار نيكسون إن كان يعرفه، فأجاب بالنفي، فوضحت له أن المستشار الأمريكي هو الدكتور روبرت ديكسون كرين، فأخرج الخطيب ورقة من جيبه وأعطاني قلما وطلب مني أن أكتب اسمه، ففعلت ثم أكملت سرد ما أعرفه عن سيرة الرجل الذي ما يزال على قيد الحياة والذي تزخر الشبكة العنكبوتية بمعلوات وتسجيلات فيديو له عن نظرياته وأبحاثه وكتاباته عن الإسلام.



الدكتور روبرت كرين


سأختصر القصة لكم هنا كما وردت على صفحة الرجل على ويكيبيديا ومما سمعت منه في تسجيلات فيديو على اليوتيوب: روببرت كرين من مواليد 1929 في كامبريدج، درس في جامعة هارفرد اللغة الروسية، ثم انتقل إلى جامعة ميونخ لدراسة علم الاجتماع الديني. ثم عاد لأمريكا ليدرس العلوم السياسية والتخطيط الاقتصادي وتخصص في الدراسات الصينية السوفياتية وأيضا في النظم القانونية المقارنة والاستثمار الدولي.


كرين أحد مؤسسي مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، وتدرّج في الوظائف إلى أن عمل نائب مدير للتخطيط لمجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض في عهد نيكسون، وفي 1977(في عهد كارتر) عمل لمدة سنة واحدة كمستشار لوزير المالية البحريني.


وفي عهد ريغان وبعد إعلان إسلامه تم تعيينه سفيرا للولايات المتحدة في الامارات العربية المتحدة، إلا أن ذلك لم يرق لسكرتير الدولة حينها آليكسندر هيغ فقام بطرده.


يقول روبرت هيغ عن إسلامه: أنه عرف الإسلام منذ الخامسة من عمره، ومر بتجربة دينية في سن 21 لكنه لم يكن يعلم أن هناك أشخاصا يمكنهم تفسير ما أراه الله في تلك التجربة، إلى حين صار في الـ50 من عمره عندما كان في البحرين حيث التقى برجل مسلم رائع قاله له أنه هناك كلمة واحدة لما يُعبد هي "الله" ويضيف كرين اكتشفت حينها أن المسلمين ليسوا سيئين وأنه لم يختر أن يكون مسلما فقد كان مسلما طيلة عمره وبعدها أعلن إسلامه.


تحوّل بعدها كرين لناشط وداعية وعالم إسلامي وألف عدة مؤلفات وقام بعدة بحوث وهو الرئيس المؤسس نقابة المحامين المسلمين في أمريكا.


من أشهر مقولاته: الغرب متحضر تكنولوجيا لكنه بحاجة للإسلام"، و "المسلمون لا يعرفون دينهم"، وله مؤلفات ودراسات عديدة عن الإسلام كما له عدة محاضرات حول أنواع العصبيات وعن التطرف.


تفاجأ الخطيب بهذه المعلومات، التي تختلف تماما عن ما قال عن الرجل في خطبته، بعدها قلت له:" في كل جمعة تصعد للمنبر  وتخطب في مئات المسلمين، وتذكر الكثير من المعلومات، فأرجو منك أن تتوخى الدقة في المعلومة، في وقت لم يعد من الصعب الحصول عليها، فاستوقفني وأمسك الورقة ذاتها ودوّن عليها بخط صغير "دقة المعلومة"، ثم تابعتُ: "لا يمكن أن تتحدث في أمور اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية دون أن تتوفرعندك المعلومات الكاملة في الموضوع أو تكون من أهل الاختصاص"، فهمس الشيخ قائلا: "لا أخفيك أنا لا أعرف استخدام الأنترنت"، ثم افترقنا أنا والشيخ وراح كل منا في حال سبيله.



ملاحظة: الخطيب يعمل طبيب أطفال.


ما أعرفه عن كرين كان بعد بحث بسيط قمت به بعد إحدى الخطب التي ذكره فيها الخطيب، ويمكن البحث أكثر عنه على الأنترنت، مع العلم أن هناك بعض المواقع والمنتديات تذكر عن روبرت كرين نفس ما ذكره عنه الخطيب وأكثر، أنصحكم بترك هذه المواقع وقراءة مقاطع من مؤلفات الرجل أو مقالات عنه من مواقع مختصة أو الاستماع لتسجيلات فيديو له وخصوصا أنه لا زال على قيد الحياة، وهذا رابط صفحة الويكيبيديا الخاصة به:
http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_D._Crane

الخميس، 13 ديسمبر 2012

هل حبا في فلسطين أم لأسباب طائفية


ملاحظة: تاريخ هذه المشاركة 13ديسمبر 2012

معلومات يجب معرفتها عن صلاح الدين

منابر صلاح الدين الثلاثة

منابر صلاح الدين الأثرية الثلاثة من خشب الأبنوس، مكوّنة من آلاف القطع الخشبية التي ركبت بحرفية كبيرة ودون مسامير: منبر اﻷقصى الذي أحرقه الصهاينة، ومنبر الجامع اﻷموي في حلب الذي احترق  في القتال الدائر بين جيش النظام السوري وقوات المعارضة السورية، والقائم منها اﻵن هو منبر المسجد الابراهيمي في الخليل



ملاحظة: تاريخ هذه المشاركة 15 أكتوبر 2012

براءة تغتال: ملالا يوسفزاي


ملاحظة: هذه المشاركة تاريخها 10 أكتوبر 2012

كوكتيل وعصير









في العادة يتنافس هذان المحلان في المناداة على المارة ليبعانهما العصير، لكن أثناء مسيرة 5-10 أمام المسجد الحسيني لم يكن هناك مجال للمناداة بل للبيع وعصر الفواكه فقط.
أنا لست اخوانيا ولا أنتمي لأي حراك، لكن من واجبي ومن حقي أن أعرف ما يحدث في هذا البلد، وهذه شهادتي عما رأيت:
1- كانت مداخل وسط المدينة مغلقة على السيارات، فاضطررت لايقاف سيارتي بعيدا واكمال الطريق سيرا على الأقدام
2- كا


ن هناك تواجد كبير لقوات الأمن بين الحشود، وقوات الدرك كانت في الأماكن المحيطة وقوات الباديةكانت متواجدة أيضا لكن بعيدة عن مناطق التجمع.

3- بعض الزعران كانوا يحملون عصيا شاهدتهم وهم عائدون أدراجهم من المكان

4- التجمع كان أمام المسجد الحسيني وشارع وسط البلد كان مكتظا بالكامل

5- النساء كن يقفن على الأطراف وعلى الأرصفة

6- بعض المشاركين كانوا يرتدون قبعات تدلل على المنطقة التي وفدوا منها

7- المشاركون كانوا يحملون شعارات مطالبة بالاصلاح وبمحاربة الفساد

8- كان البعض يوزعون المياه على المشاركين

9- امتلأت الأسطح والأماكن العالية بالاعلاميين والناشطين الراغبين بالتقاط صور للمسيرة

10- مئذنة المسجد الحسيني والأماكن العالية اعتلاها عناصر الأمن العام

11- تناوب أشخاص على القاء الكلمات من حراكات ومن مناطق مختلفة

12- بعض المعارضين للمسيرة كانوا متواجدين فيها وكانوا يبدون انزعاجهم

13- عناصر الأمن كانوا يراقبون الوضع بهدوء ورزانة مشكورين

14- لست خبيرا في تعداد الجماهير لكن لا يمكن أن أقول أن العدد كان بسيطا كما حاول البعض أن يقلل من شأنهم فقالوا بضعة آلاف، ولا يمكن أن أقول أن العدد كان هائلا كالأرقام الفلكية التي ذكرها البعض.

لكنهم كان كثرا من أبناء هذا الوطن ومن الذين لا يمكن وصفهم بأي صفة سيئة، انهم يحبون هذا البلد بطريقتهم، كما يحب آخرون البلد بطريقتهم

وعند مغادرتي للمسيرة مررت بجانب محلي العصير، فكان بعض الذين شاركوا في المسيرة ممن يرتدون قبعات بيضاء وإلى جانبهم بعض الذين يرفضون المسيرة ويتهكمون على المشاركين لكنهم حضروا للمشاهدة، وقفوا سوية يشربون أكواب عصير بسلام.



ملاحظة: هذه المشاركة تاريخها 6 أكتوبر 2012

السبت، 1 ديسمبر 2012

بين الهزيمة والانتصار ... أشياء أخرى


قرر الكيان الصهيوني أن يشن عقابا سماويا على غزة، واشتق اسم هذا العقاب من التوراة فأسماه "عامود هاعنان" أي عامود الدخان، ليعاقب شعبا محاصرا منذ سنين، شعب يرفض الرضوخ، وليقلّم أظافره التي طالت، وغدت تلقي صواريخا كان قد وصفها زعيم السلطة الفلسطينية بالعبثية، لأنها لا تضر أحدا، لكن ثبت أنها مزعجة لدرجة توجب العقاب.

يأتي هذا العقاب في وقت تتغيّر فيه الأمة وتتغير الظروف المحيطة، ربيع عربي يبزغ هنا وهناك، أنظمة تتغير... وأنظمة تولد من جديد فتغدو أقرب شيئا فشيئا من نبض شعوبها التي تتطلع للحرية والكرامة، وأنظمة تحاول تجنب نفس المصير، وصراع نفوذ وسيطرة على عدة مناطق، ونيران فتن طائفية تتأجج.


ما أن بدأ العدوان وتم اغتيال الشهيد البطل أحمد الجعبري، حتى توحّدت فصائل المقاومة تحت سقف غرفة عمليات واحدة، تنسّق وترد على العدو بشكل يشرّف كل فلسطيني وكل عربي ومسلم، لا شك أن ميزان القوى يميل باتجاه العدو، وقد زخرت عدّته بأنواع الأسلحة التي لا مثيل لها في جعبة المقاومة ولا بأي شكل، فلا تصحّ المقارنة، ولا يضع القوتين على ميزان واحد الا ساذج أو مخادع.

انتهى العدوان، وما أن أُعلنت التهدئة حتى تفاوتت الآراء حول الخسارة والانتصار، ووضع كثيرون قواعد خاصة لتمييز النصر من الخسارة، حتى تنطبق صفات المنتصر أو الخاسر كما يحبون هم على من يشاؤون.


بعيدا عن تلك القواعد الخاصة، من فاز ومن خسر؟ كيف سنقرر ذلك؟ قد تكون المقارنة واجبة هنا لتتضح الصورة...

على صعيد الخسائر البشرية الفلسطينيون هم الخاسر الأكبر بحصيلة بلغت حسب وزارة الصحة الفلسطينية 174 شهيدا و 1399 جريح، ومن يقول غير ذلك فهو إنما يغالط نفسه أو لا يكثرث لهذه الدماء الغالية،والاكتراث هنا كلمة قليلة الحروف لكنها تتسع لمشاعر انسانية تملأ الدنيا خيرا ومحبة، أو لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا".


من بين الشهداء وحسب وزارة الصحة الفلسطينية 34 طفلا و11 سيدة و19 مسنا و16 شهيد أعمارهم تقل عن خمس سنوات، وهذه أرقام تعكس نوع الخسارة، وتعكس طبيعة العدوان الوحشية، والتي يجب التركيز عليها إعلاميا.

فيما تمثلت خسائر العدو حسب ما اعترف به هو 6 قتلى وعشرات الجرحى، ومن المرجح أن يكون العدو قد تكتّم عن ذكر خسائره البشرية والعسكرية خاصة بشكل صحيح، لكن هذه الأرقام إن صدقت، تعكس أشياء أخرى يجب الوقوف عندها ولو من باب التأمل العابر والصريح جدا:


- القبة الحديدة وإن فشلت في اعتراض عدد من الصواريخ، إلا أنها نجحت في اعتراض عدد آخر وهذا عامل أدى إلى تخفيف حجم الخسائر البشرية والمادية، في حين لا يحمي الفلسطيني من صواريخ العدو إلا عدم بلوغ الأجل.

- صفارات الإنذار كانت عاملا تحذيريا مهما، يمنح مجالا زمنيا للاختباء، وفي الجانب الآخر، ولحسن الحظ، انه لا وجود لصفارات إنذار في غزة، لأنها كانت ستصفر بلا انقطاع، فالفلسطيني يعيش خطرالقصف في كل لحظة، وكل ما يملكه هو الدعاء بالسلامة.

- وجود ملاجئ ومخابئ للحماية من الصواريخ مهيأة ومؤمنة للحماية من صواريخ ذات قدرة تدميرية عالية، في حين أن ملجأ الفلسطيني هو سقف بيته، وان كان قريبا من دائرة الأهداف المتوقعة، فالحل هو النزوح إلى بيوت الأقارب، ورغم ذلك فقد شهدنا غارات متكررة على نفس البيت بلغت احداها ست غارات على نفس المنزل المسوّى بالتراب، وكأنما المطلوب هو الموت المحقق الذي لا مجال معه لبقية من حياة.


- القدرة التفجيرية والتدميرية المتواضعة لصواريخ المقاومة مقابل قدرة تفجيرية مهولة لأنواع شتى من الصواريخ والأسلحة، المجرّبة أو التي تستخدم لأول مرة، والتي لا تبقي ولا تذر، إلا ما رحم ربي.

أما على صعيد الخسائر المادية، قدّر المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية في غزة حجم الخسائر بـ1.2 مليار دولار وهو ما يمثل ثلاثةأضعاف المبلغ الذي قدمته قطر في زيارة أميرها والتي وصفها كثيرون بزيارة كسر الحصار، وفي جانب العدو قدّر البعض خسائره بـ400 مليون دولار، وهذه الأرقام أيضا تعكس تفاوتا في حجم الخسائر، مع العلم أن أيضا قدرة التعويض أيضا متباينة تميل كفّتها لصالح العدو، وهذه الأرقام أيضا صورة للقدرة التدميرية لكل طرف، علما أن خسائر الفلسطينية تشمل بنى تحتية، في حين أن خسائر العدو تشمل خسائر تقديرية بسبب تعطّل الحركة الاقتصادية أثناء العدوان على غزة.


ورغم هذا الفارق في الخسائر البشرية والمادية إلا أن الآلة الاعلامية للعدو ووسائل الاعلام المتعاطفة معها قامت بتصوير هذه الخسائر البسيطة وهذه الصواريخ وانعكاساتها على الحالة النفسية والاقتصادية بطريقة درامية؛ تستجدي التعاطف والتأييد لنبذ هذا الاعتداء الارهابي على حد وصفهم، والذي يقض مضاجع أناس آمنين مسالمين في بيوتهم.

وحشدوا لهذه الغاية صحفهم واذاعاتهم وشاشاتهم ومواقعهم ولجانهم الاكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، لتقديم أنفسهم بصورة الضحية التي تعاني الأسوأ بسب صواريخ الرعب التي يطلقها الفسطينيون، ورغم عامل المفاجأة الذي فجرته المقاومة بصورايخ يزيد مداها عن 75 كيلومترا، وتوسيع دائرة التهديد، إلا أنهم سرعان ما استفادوا من الأمر على شكل أفلام دعائية عن اتساع دائرة الخطر التي تقض مضجع الإسرائيليين، فأظهروا أنفسهم بمظهر المعتدى عليه وقد زادت قوة المعتدي، فاستخدموا ذلك في تبرير العدوان على أنه من أجل حماية الآمنين من هذه الصواريخ.

أما ساحتهم الداخلية فشهدت تكتما اعلاميا، يجعلك تشعر بالضيق، وكنت أحد الذين راقبوا مواقعهم الإخبارية، رغم جهلي باللغة العبرية، مستخدما المترجم الفوري لقراءة الأخبار العاجلة، وكانت المفاجأة عندما اكتشفت أن لا أخبار عاجلة على مواقعهم وأن العاجل منها قد نقلته المواقع العربية أو المغردون العرب قبل ساعات، لكن ما رشح من شاشاتهم وخصوصا في العروض المباشرة، وبعض مقاطع الفيديو والصور التي سجلها العرب الفلسطينيون في فلسطين المحتلة كانت كفيلة بنقل بعض مشاهد الخوف والهلع التي كانوا يشعرون بها حال اطلاق صفارات الإنذار.

ولاستكمال رسم صورتهم الملائكية والبريئة الحريصة على السلام، لم يتردد اعلامهم في استخدام التسجيلات العسكرية على غرار الطريقة الأمريكية في عرض القدرة الفائقة في اصابة الأهداف، والتكنولوجيا العالية في استثناء المدنيين في أي هجوم، وقد صدّق ذلك من أراد التصديق، إلا أن هذه المرة تحديدا، بعض وسائل الاعلام الغربية لم تستطع بلع هذه الوجبة من الكذب المعلن، ولم تتردد في عرض الأعداد الحقيقية من الضحايا في صفوف الأطفال والنساء والمدنيين عامة في اشارة واضحة لرفضها الرواية الإسرائيلية، ولا أخفي هنا دهشتي من رؤية عناوين على صحف بريطانية وفرنسية تشير بشكل واضح وصريح إلى همجية العدوان الإسرائيلي واستخدامه للعنف المفرط ضد المدنيين الفلسطينيين، وكان هذا إنجازا يحسب للفلسطينيين، وإن كان النجاح فيه ليس بالأمر السهل، والمطلوب هو توسيع دائرة العارفين بالحقيقة، وهي مهمة يتحمل فيها اعلامنا بكل وسائله وأشكاله وحتى الفردي منها مسؤولية نقلها وايصالها للعالم، وهذا ما سأتطرق إليه في الفقرات القادمة.

شهد هذا العدوان على غزة تغطية اعلامية مميزة، وفرتها وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، فتعددت وسائلها لتشمل كل المتاح، لدرجة أنك قد تكون أول من يعرف الخبر العاجل على مواقع التواصل والاجتماعي أو على الهاتف بمجرد وجود شخص متصل من عين المكان، وهذا ما مثل نقلة نوعية ذات عدة حدود:

- سرعة وصول الخبر وانتشاره من خلال عملية المشاركة على مواقع التوصل الاجتماعي بكبسة زر

- المتابعة الفورية لما يحدث على الأرض في مختلف مناطق غزة، ثم اتسعت الدائرة عندما دخلت الضفة إلى الحدث من خلال المواجهات التي قام بها الشبان الفلسطينيون مع جيش الاحتلال انتصارا لإخوتهم في غزة في مختلف المدن الفلسطينية في الضفة وشملت القدس أيضا.

- عدم الدقة في تقصي الخبر أو في عملية النقل كان يؤدي إلى نشر أخبار خاطئة، يتضح خطأها بعد دقائق، وبهذه الطريقة تحديدا كان من السهل نشر أي اشاعة.

- الوقوع في خطأ تحديد مكان اطلاق الصواريخ بشكل قد يستفيد منه العدو.

- الاسراع في نشر أسماء الشهداء والمصابين دون التحقق من صحة المعلومة، مما أدى إلى نشر أسماء خاطئة أو اعلان استشهاد أشخاص على قيد الحياة، وهو أمر مربك لكثير من الأطراف.

- اعتماد مواقع اخبارية على هؤلاء الأفراد غير الاعلاميين واعتماد أخبارهم واستباقها بجملة " عن شهود عيان"


وكانت صواريخ المقاومة التي وصلت تل أبيب من بداية العدوان عاملا مهما في رفع معنويات وهمم الاعلاميين الهواة وحتى المختصين، وتحوّل الأمر أحيانا إلى سباق لإيراد أخبار قصف الصواريخ للمستوطنات الإسرائيلية وإصابتها لأهدافها بشكل مبالغ فيه، جعل بعض المنتقدين لهذا الواقع من تشبيهه بما كان يذيعه أحمد سعيد في حرب 67.

وتعدى ذلك في بعض الأحيان إلى محاولة ايجاد الخبر الجميل بين السطور واستباق البيان الهام، بالقول والتوقع أنه بيان اعلان مفاجآت ومزيد من الإنجازات، التي لم تبخل المقاومة على شعبنا بها وكان حريا بنا عدم المبالغة في تحميلها ما لا تطيق.

وساهم وجود آلة التصوير في أغلب أجهزة الاتصال، وسيلة فائقة السرعة في نقل الصورة الثابتة والمتحركة، فكانت صور الدمار والأشلاء تنهمر كالمطر، وتنتشر بسرعة فائقة إلى كل أرجاء المعمورة، قد لا ألوم على الأفراد استخدام هذه الصور للتعبير عن ألمهم وسخطهم ومعاناتهم والرغبة في مشاركة العالم هذا الألم، لكن اللوم كل اللوم على المواقع الإخبارية والشاشات التي نقلت الصور، وغفلت حتى عن التنبيه من فظاعة الصور، فما كان اثبات وحشية العدوان بحاجة لكل هذه الصور الدامية، وكان حريا بوسائل الإعلام هذه تقصي الحرفية ونشر صور أكثر تأثيرا وانتصارا لحقوق المظلومين من تلك الصور الدامية التي تبعد وتنفر الآخر من متابعة الخبر. في حين أنه ثبت أن صورة الدمار، وحزن الأطفال أو بكاءهم أو حتى لعبهم وسط الدمار هي أكثر تأثيرا على القلوب وتقبلا من النفوس، ونزولا وترحيبا على صفحات المواقع الاخبارية الغربية وشاشاتها.


أما على مواقع التواصل الاجتماعي فقد أخذ الأمر طابعا آخر، والأمر هنا لا يخلو من إيجابية تحوّل البعض من لعب المزرعة السعيدة، إلى متفاعل ضد هذا العدوان، و لا يخلو أيضا من سلبية كونه ينشر صورا شديدة الفظاعة والدموية دون حتى التأكد من مصدرها ولا زمن حدوثها، فترى صورا سببها كوارث طبيعية أو حروب أهلية في مناطق شتى من العالم يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها من غزة (وكأن أرشيف القضية الفلسطينية بحاجة لاستعارة صور من أي كارثة في العالم) دون أي مجهود للتأكد من صحة الصورة، مع أن الأمر في منتهى السهولة، ويكفي استخدام محرك البحث جوجل للوصول لمصدر المعلومة في أقل من دقيقة.


وعند الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي، يجب الحديث هنا عن الجانب الأكثر اشراقا ونجاحا في حرب اعلامية حقيقية، شهدها موقع تويتر، وأنا من الشاهدين على ذلك ولست وحدي، وكنت أتمنى لو أن تغريدات مغردي غزة تمت أرشفتها كلها لتبيان هذا الوجه المشرق الذي قدمه مغردو غزة، بشهادة وسائل اعلام عالمية، فقد عمل مغردو غزة كمراسلين لحظيين من أرض المعركة، فكانوا السباقين في تقديم المعلومة، فتأتي تغريداتهم في وقت واحد لتحدد نوع الطائرة التي تحلّق أو لتنكبّ على الخط الزمني بـ: "قصف الآن"، "قصصصصصصصصصصف" "بووووم"، "انفجار"، لا يكَلّون في نقل ذلك، فقط يطلبون السلامة من الله، والدعاء من الأصدقاء.


واستمروا في نقل الأخبار لنا منذ البداية وكانوا هم أيضا السباقين في نقد أنفسهم وتصحيح أساليب التغريد ونقل الخبر فكانوا كالجبهة الواحدة يعملون بلا كلل مطوّرين لجودة تغريدهم وتحسين أدائهم على مدى أيام العدوان الثمانية، وأكثر جانب برأيي نجح فيه هؤلا المغردون هو نقل الحالة النفسية الطبيعية لأنفسهم ولأهلهم، فعبروا عن حالة الخوف الإنسانية التي انتابتهم وانتابت الصغير والكبير من حولهم، عبروا عن تعبهم، عن شوقهم للهدوء، للنوم، للراحة، عبروا عن انزعاجهم من صوت الطائرة التي باتوا خبراء في أنواعها وفي أصواتها، وكان أشهرها "الزنانة"، ولم يخلُ هذا النقل المباشر لأحاسيسهم ومشاعرهم وظروفهم تحت العدوان من تغريدات ساخرة مليئة بشر البلية المضحك. فكان هذا أجمل ما قدموه لعكس حقيقة يتجهالها الكثير، أن هؤلاء الفلسطينيين يحملون كل ما في الإنسانية من معنى.


طبعا كان سيكون لما فعلوه قيمة أكبر لو كثفوا من استخدام قدراتهم اللغوية والتركيز على اللغات الأجنبية أكثر من العربية لتوسيع دائرة الانتشار ونقل واقعهم لأكبر عدد في هذا العالم. وهذا دور كان على كل المغردين الفلسطينيين والعرب المساهمة فيه، ولم يبخل الكثير منهم في أدائه.
سأعود لما ابتدأت به من حديث عن الهزيمة والانتصار، قدّم الشعب الفلسطيني الكثير الكثير في هذا العدوان، لكنه أقل مما قدمه في العدوان الذي سبقه، ويجب أن نكون صريحين في القول أن صواريخ المقاومة المحلية الصنع، أو ايرانية الصنع أو التكنولوجيا، كانت هي العامل الأساس في ايقاف العداون، بعد ادخال تل أبيب (تل الربيع)والقدس إلى دائرة الأهداف، وبعد إسقاط طائرات حربية، دفعت العدو إلى التفكير جديا في ايقاف العدوان وطلب التدخل من أجل ذلك، فكانت الوساطة المصرية التي أسهمت في النجاح للوصول لإيقاف اطلاق النار، في موقف ما كان ليحدث في عهد النظام السابق، ولكنه أيضا أقل مما كان يتوقعه الفلسطينيون، الذين كانوا يتوقعون أكثر بكثير من زيارات رسمية إنسانية، لكن لعلّ القادم أحسن (كما قال لي بعض الأصدقاء من غزة).


وفي ظل ما سلف، بالرغم من كل الخسائر، سأقول أن المقاومة نجحت في رد العدوان عن غزة، وأن أهل الضفة أثبتوا أنهم لم يتحولوا لشعب أوسلو، وأن الشعب الفلسطيني يشق بصموده طريق التحرير نحو الانتصار واستعادة حقّه كاملا.


واسمحوا لي أن أرى شعبي منتصرا، وما النصر عنا ببعيد إن شاء الله