الجمعة، 7 فبراير 2020

علبة الرماد المقدس

كان جالسا يتأمل من النافذة بيتا في أعلى التلة لأثرى رجل في البلدة واتساع اﻷراضي المحيطة به، ثم أدار رأسه وراح يُقلّب عينيه مزدريا جدران منزله وضيق حجراته.

اتجه إلى صندوق كبير في زاوية الحجرة وأخرج قطعة قماش ملفوفة بعناية، فك قطعة القماش وأخرج من طياتها مصاغا، رايح يتفحص المصاغ بذهن شارد، عندها دخلت زوجته وسألته: ما ذكرك بمصاغ والدتك؟ لماذا أخرجته من الصندوق؟

فأجاب: أنوي بيع هذا المصاغ لأستثمر ثمنه في تجارة أزيد بها دخلي، وبعد فترة وجيزة سأضاعف حجم تجارتي وسأتمكن من شراء مزيد من اﻷراضي والمواشي، ومن بناء بيت جديد بدل هذا البيت المتهالك، وستصبح حايتنا وحياة أطفالنا أكثر رفاهية، سيصبح عندنا خدم وعمال وسيقصد الناس بابي لقضاء حاجاتهم المختلفة وما أدراكِ قد أصبح حاكما للمنطقة.

قالت الزوجة بتهكم: كل هذا من مصاغ والدتك القديم؟ 
فأجاب الزوج وما أدراكِ بالتجارة، وكيف يجلب المال أموالا؟
فردت: نعم أنت أدرى بالأموال، لكن لا تنسى أن قيمة هذا المصاغ في ذكراه التي يحملها، لقد أهدته والدتك لنا في زفافنا، وقد تم توارثه في العائلة جيلا بعد جيل، فإن لهذا المصاغ قيمة دينية وببركته نشأت بيوت وأنجبت ووربت أبناء.
فضحك مستهزئا وقال: أي بركة يا زوجتي، لا بركة إلا بركة المال،  سأبيع المصاغ  هذا قراري لا تراجع عنه.
عندها ردت الزوجة بحزم: بِعه لكن بشرط، لا يمكنني أن أعيش في بيت لا بركة فيه، لن أخاطر بمستقبل أطفالي من أجل أحلامك المالية.

فسألها الزوج وما هو شرطك؟
فأجابت: في رحتلك للمدينة لشراء البضاعة التي ستتاجر بها، خصص وقتا ومالا للذهاب للمعبد الكبير، وأحضر لنا علبة صغيرة من رماد الراهب اﻷعظم، سأخصص زاوية في البيت للعبادة، سأوقد فيها الشموع وأحرق البخور وسأضع علبة الرماد فوق صينية مزخرفة، وسأقيم الصلوات ليل نهار ليحفظ هذا البيت وتناله البركة.
ابتسم الزوج وقال: حسن سأجلب لك رماد الراهب ثم التفت وعاد ينظر عبر النافذة إلى بيت الرجل الثري في أعلى التلة. 

بعد أيام ودّع زوجته وأطفاله وراح في رحلة تجارية وفي جعبته مصاغ أمه وفي مخيلته أحلام الجاه والثراء.

بعد أسابيع عاد من سفره محملا ببضائع متنوعة، راح يخرج البضائع ويعرضها على زوجته ويقدر كم ستكون أرباح كل قطعة، ظلت الزوجة تنتظر أن يخرج علبة الرماد، لكنه لم يفعل.
فسألته: أين علبة رماد الراهب؟

فأجاب متلعثما: أعتذر يا زوجتي الغالية، لم يبقَ معي من المال والزمن ما يكفي للذهاب للمعبد الكبير، أعدك أن أفعل في رحلتي القادمة، حينها سيكون معنا مال أكثر وسأخصص وقتا لهذا الغرض.

قأجابت الزوجة بصوت تملكه الخوف: لقد مرض ابننا في غيابك ولم يشف إلا بعد أن ذهبت وأقمت الصلوات في أحد بيوت الجيران، أخشى أن يصيبنا ما هو أسوأ إن لم تحضر علبة الرماد.

فرد الزوج: لا تقلقي سأحضره في المرات القادمة.

وبعد أسابيع حمل الزوج ماله والربح البسيط الذي عاد عليه من بيع البضائه التي جلبها في رحلته اﻷخيرة ليذهب في رحلة تجارية جديدة.

وقفت الزوجة عند الباب تودع وزوجتها وقالت: لا تنسَ علبة الرماد
فأجاب بشكل قطعي: بالطبع لن أفعل وغادر مسرعا.

بعد أسابيع عاد الزوج ولم يحضر علبة الرماد، عندها انفجرت الزوجة غاضبة: هذه المرة وقعت ابنتنا في حفرة عميقة وكادت أن تموت، أنت تعرضنا للخطر باستهتارك، في المرة القادمة إذا عدت دون أن تحضر علبة الرماد، سأترك البيت ولن تجد من يرعاك ويرعى بيتك وأطفالك وربما أقتل نفسي، فلن أحتمل حياة لا طمأنينة ولا بركة فيها.
فأجاب الزوج حتما سأفعل، لا تقلقي.

ذهب الزوج في رحلة جديدة، وبعد أسابيع وهو على مشارف البلدة تذكر أنه لم يحضر علبة الرماد، وأن زوجته ستنفجر غاضبة وقد تؤذي نفسها مما قد يعرض حياته وأحلامه للخطر.  فتوقف ليفكر في حل لهذه المشكلة. لفت انتباهه وجود عظام كلب نافق على قارعة الطريق، لم يفكر طويلا، أوقد نارا وحرق عظام الكلب، ثم أخرج من متاعه علبة جميلة ووضع فيها بعضا من رماد عظام الكلب، ثم اتجه مسرعا نحو بيته.

كانت الزوجة تترقب وصوله، ما أن رأته يقترب من البيت حتى خرجت مسرعة لاستقباله ولتتأكد من إحضاره علبة الرماد، فأدرك ذلك مباشرة ولوح لها من بعيد بعلبة الرماد، فهرولت نحوه وفأعطاها العلبة وقال لها: ها هو رماد الراهب اﻷعظم. فأجبت ودموع الفرح تنهمر من عينيها شكرا يا زوجي، هكذا لن تغادر البركة بيتنا سأبقى وفية لك طول العمر راعية لك ولأطفالك ووبيتك ما حييت.
فأجاب: ما أروعكِ من زوجة



ملاحظة: هذه القصة قرأتها منذ مدة طويلة على أحد المواقع وكانت باللغة الفرنسية، ولم أعثر عليها بعدها، أعدت صياغة القصة بأسلوبي وأجريت بعض التعديلات دون التغير على الفكرة الرئيسية منها.