الخميس، 7 ديسمبر 2017

كذبة ترامب

اعترف الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب في خطابه بتاريخ 6-12-2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل تمهيدا لنقل السفارة اﻷمريكية من تل أبيب إليها.

استند ترامب في خطابه لتبرير قراره هذا على كذبة مركبة لا يملك أحد في هذا العالم القدرة على إثباتها، إذ قال: “القدس عاصمة الشعب اليهودي التي أنشئت في العصور القديمة” وهو بذلك يستخدم أسطورة لفرض واقع سياسي.

تنطوي هذه الجملة على كذبتين كبيرتين:

اﻷولى هي مصطلح "الشعب اليهودي" وهو بذلك يحاول الربط بين اليهود الذين قامت الحركة الصهيونية والدول التي دعمتها بتهجيرهم من شتى دول العالم وتوطينهم في فلسطين، واليهود الذين تتحدث عنهم قصص التوراة تحت مسمى أسباط إسرائيل. ولا يحتاج اﻷمر الكثير من المنطق لمعرفة أنه لا يمكن أن يكون الخزر واﻹثيوبيون والهنود والعرب شعبا واحدا، والدليل العلمي القاطع على ذلك من علم الوراثة إذا لا يمكن اطلاقا إثبات أن الصهاينة الذين يحتلون فلسطين يشكلون شعبا واحدا.


الثانية أن القدس كانت عاصة لشعب يهودي في العصور القديمة، وهو أمر قد فشلت فرق التنقيب اﻷربعة التي حفرت وبحثت في القدس على مدى عقود وهي على الترتيب:


- حفريات ما بين 1961 و1967 جنوب الأقصى قرب سلوان تحت إدارة عالمة اﻵثار البريطانية كاثلين كينيون
- حفريات ما بين 1968 و 1978 شمال اﻷقصى تحت إدارة عالم اﻵثار الصهيوني بنيامين مازر
- حفريات ما بين 1969 و1983 في حارة اليهود تحت إدارة عالم اﻵثار الصهيوني نحمان أفيجاد
- حفريات ما بين 1978 و1985 جنوب اﻷقصى قرب سلوان تحت إدارة عالم اﻵثار الصهيوني يغال شيلوه


تقول عالمة اﻵثار مرغريت شتينر في جامعة ليدن في هولندا، توفي مديرو الحفريات اﻷربع ولم يتم الانتهاء من تقرير نهائي واحد لهذه الحفريات.


بعد عمل شتينر مع البروفيسور فرانكن من جامعة ليدن كمساعد باحث لدراسة المواد الناتجة عن الحفريات من فخاريات وغيرها قالت ستينر في تقرير لها:

 لم يتم العثور على أي بقايا من بلدة، ,ولالمدينة، من أي وقت مضى: لا أثر للسور، ولا لبوابة، ولا

بيوت. ولا قطعة معمارية. ببساطة لا شيء!”

But no remains of a town, let alone a city, have ever been found: not a trace of an encircling wall, no gate, no houses. Not a single piece of architecture. Simply nothing!

باختصار لم يتم العثور على شيء يعود لفترة القرنين التاسع والعاشر قبل الميلاد، أي الفترة المفترضة لمملكتي داود وسليمان. فمدينة القدس لم تكن عاصمة لهاتين الممـلكتين ﻷنها لم تكن موجودة أساسا.


ما قام به الرئيس اﻷمريكي هو توظيف خرافة من أجل فرض واقع سياسي، في حين يمكن توظيف العلم والحقيقة من أجل فرض واقع سياسي أكثر عدالة. فهل من مستثمر للحقيقة؟


السبت، 2 ديسمبر 2017

الخليل ليست حبرون التوراة

 الخليل هي كبرى مدن الضفة الغربية،  يحتل مئات المستوطنين بلدتها القديمة تحت حراسة آلاف الجنود لاعتقادهم بأنها حبرون التوراتية.


بعد احتلالها في عام 1967 أنشأ الاحتلال فيها أول مستطونة في الضفة الغربية وهي كريات أربع، ثم تمت زراعة بؤر استيطانية داخل البلدة القديمة عملت على التضييق على سكان البلدة القديمة من أجل طردهم منها والاستيلاء على عقاراتهم. وهؤلاء المستوطنون هم من أكثر الصهاينة تطرفا وعنصرية ويقومون تحت حماية الجيش بمضايقة أهل البلدة بشتى الوسائل ومعاناة أهل تل رميدة خير شاهد على ذلك.

سبب هذا الاحتلال الاستيطاني هو اعتقاد الصهاينة أن الخليل هي حبرون التوراة "قرية أربع" التي اشترى فيها إبراهيم مغارة المقفلة ليدفن فيها زوجته سارة والتي يعتقد الكثيرون أن هذا المغارة موجودة تحت المسجد الإبراهيمي بالخليل.


هذا المكان التوراتي له قدسية عظيمة عند اليهود، فهم يعتقدون بحسب كتاب الزوهار اليهودي بأن:



  • من عنده تم طرد آدم وحواء من الجنة
  • به قبر آدم وحواء
  • عند ذلك الكهف رأى إبراهيم نورا وسمع غناء الملائكة من داخل الجنة
  • به بوابة تمر من خلالها أرواح الصالحين إلى جنة عدن

المقفلة باب الجنة التي  من خلاله تم طرد آدم وحواء من الجنة


ولهذا السبب يعتقدون أن إبراهيم أصرّ على شرائه ليدفن زوجته سارة فيه

يقول النص التوراتي في سفر التكوين:
وَمَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَى إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا.
وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَمَامِ مَيِّتِهِ وَكَلَّمَ بَنِي حِثَّ قَائِلا أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ عِنْدَكُمْ. أَعْطُونِي مُلْكَ قَبْرٍ مَعَكُمْ لأَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي  فَأَجَابَ بَنُو حِثَّ إِبْرَاهِيمَ قَائِلِينَ لَهُ اِسْمَعْنَا يَا سَيِّدِي. أَنْتَ رَئِيسٌ مِنَ اللهِ بَيْنَنَا. فِي أَفْضَلِ قُبُورِنَا ادْفِنْ مَيْتَكَ، لاَ يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنَّا قَبْرَهُ عَنْكَ حَتَّى لاَ تَدْفِنَ مَيْتَك فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ وَسَجَدَ لِشَعْبِ الأَرْضِ، لِبَنِي حِثَّ،  وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «إِنْ كَانَ فِي نُفُوسِكُمْ أَنْ أَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي، فَاسْمَعُونِي وَالْتَمِسُوا لِي مِنْ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ  أَنْ يُعْطِيَنِي مَغَارَةَ الْمَكْفِيلَةِ الَّتِي لَهُ، الَّتِي فِي طَرَفِ حَقْلِهِ. بِثَمَنٍ كَامِل يُعْطِينِي إِيَّاهَا فِي وَسَطِكُمْ مُلْكَ قَبْرٍ 



يعتبر اليهود رفض إبراهيم أخذ الكهف بالمجان وإصراره على دفع ثمنه لأصحابه (الحثيين أو الحيثيين) هو صك ملكية لهذا الكهف لنسله أو شعبه من بعده.

ويعتقدون أنه دُفن فيه أيضا إبراهيم واسحق وزوجته رفقة، ويعقوب أيضا بعدما ذهب إلى مصر التوراتية عند ابنه يوسف طلب من أبنائه أن يدفن في المقفلة


يقول النص التوراتي في سفر التكوين عن وصية يعقوب ابن اسحق ابن إبراهيم ﻷبنائه:


  • 49 :29 و اوصاهم و قال لهم انا انضم الى قومي ادفنوني عند ابائي في المغارة التي في حقل عفرون الحثي
  • 49 :30 في المغارة التي في حقل المكفيلة التي امام ممرا في ارض كنعان التي اشتراها ابراهيم مع الحقل من عفرون الحثي ملك قبر
  • 49 :31 هناك دفنوا ابراهيم و سارة امراته هناك دفنوا اسحق و رفقة امراته و هناك دفنت ليئة
  • 49 :32 شراء الحقل و المغارة التي فيه كان من بني حث
  • 49 :33 و لما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه الى السرير و اسلم الروح و انضم الى قومه


بالنسبة لليهود المتدينين طلب يعقوب إسرائيل أن يُدفن في المقفلة هو عودة رمزية لإسرائيل وشعبه من بعده إذ يعتقد الصهاينة من مختلف الأعراق والجنسيات أنهم من نسله وأنهم بذلك يجب أن يعودوا إلى أرض إسرائيل.



وترد حبرون أيضا في قصص أخرى في التوراة، أهمها هو ما يرد في سفر التكوين عن قصة يوسف:


  • 12 و مضى اخوته ليرعوا غنم ابيهم عند شكيم
  • 13 فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «أَلَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ». فَقَالَ لَهُ: «هأَنَذَا».
  • 14 فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ انْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ وَسَلاَمَةَ الْغَنَمِ وَرُدَّ لِي خَبَرًا». فَأَرْسَلَهُ مِنْ وَطَاءِ حَبْرُونَ فَأَتَى إِلَى شَكِيمَ.
  • 15 فَوَجَدَهُ رَجُلٌ وَإِذَا هُوَ ضَالٌّ فِي الْحَقْلِ. فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ قَائِلاً: «مَاذَا تَطْلُبُ؟»
  • 16 فَقَالَ: «أَنَا طَالِبٌ إِخْوَتِي. أَخْبِرْنِي «أَيْنَ يَرْعَوْنَ؟».
  • 17 فَقَالَ الرَّجُلُ: «قَدِ ارْتَحَلُوا مِنْ هُنَا، لأَنِّي سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لِنَذْهَبْ إِلَى دُوثَانَ». فَذَهَبَ يُوسُفُ وَرَاءَ إِخْوَتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي دُوثَانَ.




أي أن يعقوب أرسل الفتى يوسف من حبرون (الخليل) إلى شكيم (نابلس) مسافة ثمانين كيلومترا ليطمئن على إخوته الذين يرعون المواشي، وعندما لم يستدل على إخوته سأل رجلا فقال له أنهم في دوثان أي عند عرابة قرب جنين أي على مسافة عشرين كيلومترا.



منطقيا الرقعة الجغرافية التي يمكن أن تحدث فيها قصة كهذه هي أصغر بكثير من الرقعة التي تم اسقاطها على فلسطين بين الخليل وجنين، الرعاة يبنون خيامهم ويرعون مواشيهم في المناطق المجاورة لهم, وبالتالي فحبرون وشكيم ودوثان في التوراة هي مناطق قريبة جدا من بعضها البعض وهي حتما ليست الخليل ونابلس وجنين.



هذه القصص الدينية المتعلقة بالمقفلة و باب الجنة وآدم وحواء وإبراهيم واسحق وإسرائيل كلها قصص جعلت المتدينين اليهود يعتبرون البلدة القديمة في الخليل من أكثر الأماكن قدسية بالنسبة لهم وأكثرها الهاما ليؤمنوا بحقهم الديني في أرض فلسطين ورفع مكانتهم باعتبارهم شعب الله المختار.



هذا الإيمان بالنسبة الصهاينة سبب كافٍ لاحتلال المدينة وإقامة بؤر استيطانية فيها، لذلك بعد حرب 67 مباشرة قام الصهاينة ببناء أول مستوطنة في الضفة الغربية وهي مستوطنة كريات أربع على إسم "قرية أربع" كما وردت في التوراة تماما كما كانت المقفلة أول شيء اشتراه إبراهيم وصار ملكا بعد ذلك لشعب إسرائيل في القصة التوراتية.

يعتقد الصهاينة أن كهف المقفلة يقع تحت هذا بناء ما يعرف الآن بالحرم الإبراهيمي، هذا البناء عمره بحسب علماء الآثار 2000 سنة وهو في الأساس بناء مستطيل لا سقف له حجارته سميكة وبعض حجارته يتجاوز طولها السبعة أمتار، ولم يعثر منقبو الآثار على باب له ولم يحددوا سببا لبنائه وخصوصا وأنه بني بعدي ألفي سنة تقريبا من الزمن المفترض لقصة إبراهيم.


ورغم أن تاريخ البناء يعود للفترة التي أرخ فيها الكاتب اليهودي يوسيفوس والذي يعتقد الكثيرون أنه أرخ للحكم الروماني في القرن الميلادي الأول في فلسطين إلا أنه لم يذكر أي شيء عن هذا البناء.



بحدود القرن السادس الميلادي وفي عهد الدولة البيزنطية تم سقف البناء بشكل جزئي وتم تحويله لكتدرائية، وفي القرن السابع في العهد الإسلامي تم تحويله لمسجد، وفي المرحلة الصليبية تم تحويل المكان لكنيسة، حتى جاء الأيوبيون فحولوه لمسجد مجددا ووضعوا فوق زواياه الأربعة مآذن بقي منها اثنتان فقط.


بعد حرب 67 دخل جيش الاحتلال مباشرة للمدينة وأقام فيها على مدى سنوات عدة بؤر استيطانية وانتهج سياسة عدوانية عنصرية تهجيرية تجاه سكان المدينة، وأقام الحواجز الحديدية والبوابات الاكترونية في أغلب شوارع المدينة وخاصة القريبة من البؤر الاستيطانية ومن المسجد الإبراهيمي.

وفي 1994 ارتكب الصهيوني باروخ جولدشتاين الذي استوطن في كريات أربع مجزرة كبيرة راح ضحيتها 29 من المصلين وأدت إلى تقسيم المسجد الإبراهيمي زمانيا ومكانيا،  بين الفلسطينيين والصهاينة.


قام الصهاينة بعدة عمليات حفر تحت أرضية المسجد ولم تسفر عن أي شيء، هذه الحفريات تركت ،درجا وحفرة يمكن الدخول لها من فتحتين وهما مغلقتان الآن، وفور انتهاء حرب الأيام الستة في 67 قام موشيه دايان بإنزال فتاة إسمها ميشال عمرها أحدى عشر عاما بواسطة حبل من الفتحة الأولى لاكتشاف المكان.

الطفلة ميشال التي أنزلها موشيه دايان أسفل المسجد اﻹبراهيمي



المكان الآن يحتوي على ضريحين واحد باسم اسحق وآخر باسم زوجته رفقه في القسم الباقي مع الفلسطينيين، وضريحين باسم إبراهيم وسارة في منطقة وسطية لها نوافذ، وثلاثة أضرحة بأسماء يعقوب وليئة ويوسف في القسم الخاضع للصهاينة.

التقسيم المكاني للمسجد اﻹبراهيمي بين الفلسطينيين والصهاينة



في سنة 2011 أثار قرار من اليونيسكو يعتبر المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح مواقع تراثية فلسطينية غضب الساسة ورجال الدين الصهاينة الذين اعتبروا القرار نفيا لارتباط الموقعين بالقصص التوراتية وبالتالي نفيا لحق الصهاينة فيها.



وبالمقابل لم يصدر أي رد علمي من علماء الآثار الإسرائيليين على القرار وهنا سأقتبس جملة من دراسة للمركز الألماني للدراسات الأمنية بعنوان علم الآثار والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تقول:
"علماء الآثار المختصون متفقون على أن قبر الآباء في الخليل محض خيال"


 تقديس مدينة الخليل والاعتقاد بأنها حبرون التوراتية  يعود لزمن قديم نسبيا وليس حديث العهد، لكن بالمقابل  فشلت كل التنقيبات اﻷثرية في إيجاد دليل واحد يؤكد حدوث قصص التوراة فيها بل على العكس اللُقى اﻷثرية في فلسطين والمنطقة يُنافي قصص التوراة، ويبقى السؤال مطروحا:


لماذا على أهل الخليل وفلسطين أن يدفعوا ثمن احتلال قائم على قصص لا دليل عليها؟