الجمعة، 25 أبريل 2014

السلطان سليمان القانوني بشهادة مؤرخي عصره

لم أشاهد أيّاً من حلقات مسلسل حريم السلطان، ولا أعلم عنه سوى من بعض العناوين التي رأيتها هنا وهناك من خلال مشاركات الأصدقاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وعرفت منها أن العمل يعرض أحداثا عن حياة السلطان العثماني سليمان القانوني داخل قصره ومدى تأثير نساء القصر عليه وعلى شؤون الدولة.

كما لا أعرف الكثير عن السلطان سليمان القانوني، فأنا لم أقرأ كتابا خاصا عن سيرته، لكن تكونت  صورة له في ذهني مما قرأت في كتب التاريخ ومما شاهدت من تقارير على  وسائل الإعلام المرئية، والصورة تتمثل في حاكم قوي وقائد عسكري استمر حكمه فترة طويلة من الزمن لم يدخر فيها جهدا للحفاظ على حكمه، حتى أنه لم يتوانى عن قتل اثنين من أبنائه وأربعة من أحفاده من أجل هذا الغرض.

وفي الأيام الماضية تكرر أمام عيني مرور مشاركة لتسجيل للدكتور إياد القنيبي (https://twitter.com/EYADQUNAIBI) (حساب القنيبي الجديد على تويتر بعد إغلاق الحساب الأول @Dr_EyadQun) على موقعي فيسبوك وتويتر بعنوان: "الخليفة سليمان بين الحقيقة و(حريم السلطان)"، ومع تكرار ظهور المشاركة، دفعني الفضول لمشاهدتها، وسأختصر ما جاء فيها في السطور التالية:

يقول الدكتور إياد القنيبي أنه لا يجوز أن نأخذ تاريخنا من أعدائنا، ويذكر على سبيل المثال أن الكتاب المقدس يفتري على نبي الله سليمان عليه السلام، فإن قالوا ذلك مع نبي يفتخرون به فكيف يكون الحال مع الخليفة سليمان.
ثم يضيف أن الأجدر بنا التعرف على تاريخنا من خلال مؤرخين عرب ومسلمين وليس من خلال التاريخ الذي كتبه أعداء الإسلام بعد إحراقهم لكتب المسلمين.

ويذكر مجموعة من الكتب لعلماء ومؤرخين عاصروا الخليفة سليمان وهي:
- العقد المنظوم لطاشكري زاده
- أخبار الدول للقرماني
- شذرات الذهب لابن عماد

ويستشهد بما أثنى هؤلاء المؤرخون على السلطان سليمان القانوني، ثم يقدم لمحة عن إنجازات السلطان سليمان القانوني وانتصاراته العسكرية التي يرى أنه من مصلحة الأنظمة الحالية تشويه واخفاء هذه الإنجازات.

ويضيف أيضا بعض ما ذكره العلماء من مناقب الرجل كإكرامه العلماء، وتعاونه مع أبو السعود لوضع قوانين مستمدة من القرآن والسنة وهذا سبب تسميته بالقانوني، وأنه كان شديدا على أعداء الدين وشديد العضد والنصرة لأهل السنة والدين.

ثم يعرض الدكتور إياد القنيبي لقصة قتل إبنه مصطفى ينفي أن يكون ذلك قد تمّ بوشاية من زوجته روكسلانا، وأنه بحث طويلا في الأمر ولم يجد أي دليل على ذلك في كتب الأوائل، ويتساءل هل نصدق ما جاء في حريم السلطان أم نصدق ما قاله عنه ابن العماد أنه كان "لا يعرف الغل والخداع".

ويعتبر الدكتور أن هذا المسلسل يأتي في سياق مؤامرة يقودها أهل الكتاب تماما كما فعلوا من نبي الله سليمان  لتشويه الخليفة وضمن حرب ممنهجة ضد مبدأ الخلافة، وأهداف هذه المسلسلات،هي إفساد أخلاق الشباب من خلال المشاهد الخليعة، وتشويه التاريخ والتنفير من أحكام إسلامية. (انتهى الملخص)

وهذا رابط التسجيل على اليوتيوب لمن يحب المشاهدة: https://www.youtube.com/watch?v=nOPjdPubmao


لقد سرّني في هذا التسجيل، أن الدكتور إياد القنيبي ذكر مراجع تاريخية اعتمد عليها واقتبس منها أقوالا، فسارعت إلى محرك البحث وقمت بتحميل الكتب المذكورة (راوبط الكتب مرفقة في آخر المشاركة)، لعلي أجد ما يبرّئُ ساحة الرجل مما نسب إليه من قتل ولديه وأحفاده من مؤرخين عاصروه وعاشوا في ظل سلطانه،  وأخذت أتصفحها واحدا تلو الآخر، وسأعرض تاليا ما وجدت في هذه الكتب، مرفقا كل معلومة بصورة مقتطعة من الكتب، مع اسم الكتاب ورقم الصفحة.

الكتب الثلاثة المذكورة يمكن وصفها بأنها كتب تسجيلية، تذكر الأحداث المهمة التي جرت حسب تسلسلها الزمني، وقد ركزت اهتمامي فقط على فترة حكم السلطان سليمان القانوني والاقتباسات التالية هي من أخبار الدول للقرماني وشذرات الذهب لابن عماد والعقد المنظوم لطاشكري زاده:

حول قتل شاهزاده مصطفى ابن سليمان القانوني يقول القرماني في كتاب أخبار الدول نصا:
"خرج السلطان من مدينة القسطنطينية وصمّم عزمه إلى بلاد الشرق فأرسل إلى أولاده السلطان بايزيد والسلطان سليم والسلطان مصطفى بالقدوم إليه فلمّا وصل إلى بلدة "بكي شهر" قدم إليه ولده بايزيد فقبّل يده وفوّض إليه السلطان حراسة بلاد الروم ....."


كتاب أخبار الدول للقرماني، ص 322 
ثم يستمر السرد حتى يتحدث عن وصول السلطان مصطفى الذي جاء تنفيذا لأمر والده من أجل دعمه في حملته العسكرية:
"وصل ولده السلطان مصطفى وكان قد بلغه أنه يريد أن يتسلطن مكان أبيه وأن قلوب العسكر معه فلما دخل وطاق السلطان لتقبيل يده أمر السلطان بخنقه فخنقوه وأرسل من يضبط أمواله وعزل في ذلك اليوم الوزير الأعظم رستم باشا ونسب إليه هذه الفتنة"

كتاب أخبار الدول للقرماني، ص 322

 ويتضح من النص الذي يورده القرماني كيف استدرج السلطان سليمان ابنه مصطفى ولما انحنى لتقبيل يده أمر بخنقه، وفي هذا الأسلوب غدر وليس كما يصف ابن عماد السلطان بأنه "لا يعرف الغدر" والغريب في هذا الخبر أن السلطان قتل ابنه وعزل الوزير الذي نسب  إليه الفتنة ولم يقتله، وبهذا يكون قتل السلطان لابنه خوفا على سلطة الحكم ودون محاكمة بالشكل الذي أورده القرماني جرما عظيما، ولن يختلف أمر القتل هنا لو كان بتدبير من امرأة أو من تدبير السلطان نفسه، فالجرم أقبح من أن يبرر.

أما عن قتل بايزيد ابن سليمان وأبنائه الأربعة، فيقول القرماني في أخبار الدول بعد سرد أحداث الخلاف الذي شبّ بين بايزيد وأخيه سليم الذي أصبح وليا للعهد بعد مقتل مصطفى:

"آل الأمر إلى انهزام بايزيد وولده أورخان مع إخوته إلى بلاد العجم فاجتمع مع الشاه طاهماسب فاستقبله وراعاه فبعد ذلك أرسل والدهم السلطان سليمان بطلبهم من الشاه وأرسل أمير الأمراء خسرو باشا لخنقه مع أولاده الأربع وهم السلطان أورخان والسلطان محمود والسلطان عبد الله والسلطان عثمان وكان له ولد صغير  في مدينة بروسه فخنقوا الجميع وذلك في سنة سبعين وتسعمائة ونقل أجسادهم من قزوين إلى بلاد السلطان فدفنهم في سيواس..."

أخبار الدول للقرماني، ص 323
أما ابن العماد في شذرات الذهب فيدوّن ما حدث قائلا: 
"وفيها السلطان بايزيد بن سليمان العثماني قتله شاه طهمان بأمر أبيه السلطان سليمان...."


شذرات الذهب لابن عماد، المجلد العاشر ص 475


أما طاشكري زاده في العقد المنظوم في الصفحة 16 من الملف الذي على الرابط فيقول في مقتل بايزيد:

"ولما وصل الخبر الى السلطان ارسل الى طهماسب عدة من امرائه مع هدايا سمية وتحف سنية وطلب منه اولاده المأسورين فسلمهم اليه مقتولين فلما قبضوا اجسادهم دفنوهم في بلدة سيواس". 

ونجد هنا أن المؤرخين الثلاثة أكدوا قتل السلطان لابنه بايزيد، وأوعز القرماني سبب ذلك إلى الخلاف الذي نشب بين بايزيد وسليم على مسائل تتعلق بالحكم، ولم يكتف السلطان سليمان القانوني بقتل ابنه بايزيد المقيم عند حاكم الصفويين طهماسب شاه بل أباد كل ذريته بقتله أبناءه وحفيده.

ولا عجب في أن يحدث هذا بين الإخوة وأعضاء الأسرة الواحدة من أجل السلطة، فهذا شأن الطغاة في كل زمان، وزماننا يشهد على ذلك.

ومن الأشياء التي لفتت انتباهي أثناء تصفحي لكتاب أخبار الدول للقرماني هي هذا النص عن زيارة سليمان القانوني لبغداد:
"وزار سيّد بني هاشم موسى الكاظم روّح الله روحه في ظاهر بغداد وقصد زيارة سيدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني قدّس الله سرّه ثم قصد المشهدين العظيمين مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومشهد ولده الحسين رضوان الله عليهم أجمعين واستمد من أرواحهما ثم زار المزارات المباركة..."


أخبار الدول للقرماني، ص 320


هذا النص يشير إلى أحد أمرين أو كليهما معا، أن السلطان سليمان لم يكن معنيا بالأمور الطائفية المذهبية بين السنة والشيعة، أو أنه كان يستميل أهل العراق في حربه ضد الصفويين، وهذا يؤكد حنكته السياسية والعسكرية.


ختامًا بشهادة مؤرخين عاشوا في كنف الحكم العثماني قام السلطان سليمان القانوني بدافع الحرص على عرشه بقتل ولديه وأحفاده والدفاع عن هذا السلطان وتمجيده لن يكون بأي شكل من الأشكال دفاعا عن الدين الإسلامي وإنما تمجيدا لطاغية.




المراجع وجميعها على موقع 4shared.com :

شذرات الذهب، المجلد العاشر: http://dc180.4shared.com/download/3f2QRDec/_____10.pdf?tsid=20140421-205250-159f6baa&lgfp=2000
رابط بديل لتحميل مجلدات كتاب: شذرات الذهب
أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ للقرماني: http://dc452.4shared.com/download/wqIAyodw/_______.pdf?tsid=20140421-193857-1a10c59&lgfp=2000
رابط بديل لتحميل كتاب القرماني: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=112226

الشقائق النعمانية والعقد المنظوم لابن عماد الحنبلي: http://dc729.4shared.com/download/y3dja5dN/____002.doc?tsid=20140421-193129-d8f61ca2&lgfp=2000
رابط بديل لتحميل الكتاب: http://www.4shared.com/office/0rkhhZ9Wce/____________.htm





للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts