الخميس، 28 نوفمبر 2013

ملاحظات حول كتاب "أحسن القصص" لابن قرناس

كتاب أحسن القصص للباحث ابن قرناس هو نتاج مجهود فكري رائع، وسيكون لبنة قوية لأعمال كثيرة سيقوم بها أصحاب العقول لإكتشاف المزيد من الحقائق الموجودة في طيّات القرآن العظيم.

الكتاب قسمان، القسم الأول يضع فيه الكاتب مجموعة من التصورات والنتائج التي توصّل إليها من خلال تدبّر آيات القرآن، فكان مقنعا في بعضها وغير مقنع في البعض الآخر، ولقد دونتُ بعض الملاحظات  والانتقادات لهذه النتائج في الجزء الأخير من هذه التدوينة.

أما القسم الثاني وهو برأيي أهم ما قام به الباحث، وهو أمر فكرت  فيه شخصيا أكثر من مرة وفي ضرورة تنفيذه لكني وبمجرد تخيّل صعوبة الأمر كان تتلاشى الفكرة، وها هو ابن قرناس يقوم بمجهود عظيم ورائع يتخطى به صعوبة الأمر من أجل إعادة ترتيب سور القرآن حسب نزولها، ثم اعتماد هذا الترتيب لإعادة صياغة تاريخ الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم، وأعتقد أنه وفق إلى حد ما في ذلك.

ودون الانتقاص من هذا العمل الرائع أسجل بعض الملاحظات والانتقادات لما توصلّ إليه الكاتب وأوجز بعضها فيما يلي:

1- فرضية أن القرآن نزل على شكل سور هي فكرة منطقية ويقبلها العقل ولطالما اعتقدت أن القرآن كان ينزل على شكل بيانات رسيمة تماما كما تفعل وزارات الشؤون الخارجية أو مكاتب الرؤساء والملوك في أيامنا عند إصدار بينات رسمية تجاه أحداث معينة، لكن افتراض أن لهذه القاعدة استثناء في سورة المزمّل هو ضرب للفرضية بأكملها.

2- إن كانت بنات النبي صغيرات لما نزلت سورة الأحزاب في المدينة كما يذكر الكاتب في الصفحة 160، فلماذا أُمِر الرسول أن يقول لهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن كما ورد في الآية: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) الأحزاب"؟ وهل على صغيرات دون الخامسة أن يلتزمن بهذا الأمر؟ وهل سيحاسبن إن خالفنه؟

3- يقول الله تعالى: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)"( الأنبياء)، وكما ذكر القرآن: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)" (يس)، والأمر هنا كان للنار فلماذا يقول الكاتب أن إبراهيم لم يلق في النار؟

4- اليَمُّ البحرُ الذي لا يُدْرَكُ قَعْرُه ولا شَطَّاه (لسان العرب) ، ولست أدري لماذا افترض الكاتب أن اليمّ هو الوادي، وقد ذكر اليمّ في القرآن في عدة مواضع، وهو اليم الذي غرق فيه فرعون، وهو اليم الذي قذفت فيه أم موسى التابوت الذي قذفت فيعه ابنها موسى، وهو اليمّ الذي نُسف فيه العجل الذي صنعه السامري.

5- "مُشرِقين" التي اعتمد عليها الكاتب كثيرا وبنى عليها فرضايته حول الأراضي التي حدثت فيها قصص القرآن هي بمعنى مصبحين أي خرجوا عند شروق الشمس، وليس مُشرّقين بمعنى متجهين نحو الشرق، وهذا ينسف كل ما يعتقده بخصوص منطقة رنيه التي يعتقد أنها مصر.

6- مصر كانت مملكة في عهد يوسف ومن رأى في منامه سبع بقرات حسب سورة يوسف هو الملك:"وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) (يوسف) "، أوافق الكاتب الرأي حول إمكانية أن تكون هذه المملكة صغيرة لكنها ليست بالصغر الذي ذهب إليه الكاتب وأنها ليست سوى قرية مكونة من مدائن.

7- ذهب الكاتب إلى نفس ما ذهب إليه كثير من المفسرين في أن شيخ مدين ليس صاحب الماء، في حين أن الآية واضحة وتقول "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)(القصص)"، فالامرأتان تذودان أي تدفعان الناس عن الماء ولما سألهما موسى عن خطبهما في دفع الناس عن الماء، ردتا بأنهما لن تسقيا الناس الماء حتى يبتعد الرعاة الذين يريدون أخذ الماء بدون مقابل وهن وحيدات وأبوهن شيخ كبير،  فسقى لهما واستخدم قوته في تنظيم السقاية وكان أمينا في دفع المال لهما. (للمزيد أرجو العودة لتدوينة كتبتها عن هذه القصة http://el3a2elzineh.blogspot.com/2013/04/blog-post_3655.html )

8- الطور ذكر في القرآن عدة مرات، من بينها طور سنين ومرة بجانب وادي طوى، ومرات عديدة في قصة موسى وليست بالضرورة تعود لنفس الطور كما يعتقد الكاتب.

9- لقد كان موسى ومن معه قرب اليمّ لما نسف العجل وليس في مكان بعيد عنه في وادي طوى كما قال في (الصفحة253) والقرآن واضح في ذلك: "قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)" (طه)

10- حول الباب الذي دخله بنو إسرائيل وقالوا حطة، يقول الله تعالى في القرآن: "وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161) (الأعراف)"ويقول أيضا: "وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) (البقرة)" فهل ذكر التاريخ أنه كان لمكة باب؟

11- لم يذكر القرآن أبدا أن مريم كانت في مصر، فعلى ماذا اعتمد الكاتب في هذا الاستنتاج؟

12- الاستنتاج الذي وصل إليه الكاتب في أن عيسى كان بعد موسى مباشرة هواستنتاج منطقي ويمكن إثباته من القرآن بل ويمكن إثبات أكثرمن ذلك، وكان على الكاتب أخذه بعين الاعتبار:
- مريم ابنة امرأة عمران وأخت هارون وخالها زكريا
- هارون ابن أم موسى وقد أرسله الله معه بعد انقضاء المدة التي اتفق عليها مع شيخ مدين
- حسب ترتيب من أوحي لهم في القرآن فقد أوحي إلى عيسى قبل هارون: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) (النساء)" وهذا يعني أن المرة الأولى التي أوحي لعيسى فيها وهو صبي كانت قبل أن يوحي إلى هارون ويبعث نبيا.
- وانفرد عيسى بصفة في القرآن وهي أن التوراة بين يديه: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) (الصف)" ومبشرا بنبي بعده إسمه أحمد.


13- يقول الكاتب أن الرسول الذي  بشر به عيسى واسمه أحمد ليس الرسول محمد، فهل بكة ليست مكة أيضا؟

14- الكاتب يكرر أن بني إسرائيل قد غادروا الجزيرة، فعلى ماذا اعتمد في هذا الاعتقاد؟ فهل هناك مثلا ما يثبت تاريخيا أن بني قينقاع قد خرجوا من الجزيرة العربية، أم أنهم لا زالوا فيها؟

15-  فيما يخص موقع مصر فقد افترض الكاتب أنها تقع جنوب شرق مكة في محافظة رنيه حاليا في حين أنه عندما ذكر الأحقاف في الصفحة 308 قال أنها تقع شرق سبأ وشمال حضرموت، وبالعودة للقرآن ففي سورة غافر "وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) " وكأنما يتحدث عن أماكن متجاورة.

16- يقول الكاتب في الصفحة 494 أن الرسول لم يصلّ إلا لقبلة واحدة، بينما كان أهل يثرب  يصلون لقبلة أخرى، في حين أن النص القرآني يشير إلى غير ذلك في سورة البقرة حيث يقول الله سبحانه وتعالى: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) "، أي أن في سورة البقرة أمر باتخاذ المسجد الحرام قبلة، وأن التغيير من القبلة التي كان عليها إلى القبلة الجديدة هو امتحان لمعرفة من يتبع الرسول ممن ينقلب ولا نعلم ما كانت القبلة قبلهُ، لكن في الآية 145: " وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ" وفي هذه الآية إشارة واضحة إلى أن قبلة النبي الجديدة إلى المسجد الحرام تختلف عن قبلة الذين أوتوا الكتاب، وأنهم هم أيضا مختلفون فلا يتبعون قبلة بعض، وهذا تأكيد على وجود أكثر من قبلة غير المسجد الحرام.

17- يفترض الكاتب طرد إسماعيل لأخيه إسحق من مكة، في حين أن القرآن لا يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد بل على العكس من ذلك، يذكر القرآن أن إبراهيم وصى بنيه بأن لا يموتوا إلا مسلمين "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)" وكذلك وصى يعقوب بنيه بأن يعبدوا إله إبراهيم وإسماعيل: "أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)" ولا ذكر لأية ضغائن هنا وربما تكون مغادرة إسحق أو يعقوب مكة إلى البادية المجاورة لمصر هو إرسال لأهل تلك المنطقة للدعوة لدين الله وليس لعداوة نشبت بين أبناء إبراهيم.





للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts


السبت، 23 نوفمبر 2013

عن عورة الأَمَة في الصلاة! من أعطى رجال الدين هذا الحق؟


قبل مدّة شارك أحد الأصدقاء صورة من مطلع القرن الماضي لجواري أحد الملوك العرب، وقد ظهرن فيها عاريات الصدر، والسبب في ذلك أن عورة الأمة حسب المذاهب الأربعة هي نفس عورة الرجل أي ما بين السرة والركبة.
فتبارد لذهني حينها السؤال التالي: ما هي عورة الأمة في الصلاة؟
وكانت نتيجة البحث: أن عورة الأمة في الصلاة حسب المذاهب الأربعة (مع اختلافات بسيطة في التفاصيل) هي نفس عورة الرجل أي بين السرة والركبة.
السؤال الذي يتبادر مباشرة للعقل: كيف سمح رجال الدين لأنفسهم (وبدون وجود نص قرآني) تحديد المظهر الذي يجب أن تبدو عليه المرأة في صلاتها لله سبحانه وتعالى، فإن كانت حرة سترت جسدها وإن كانت أمة كشفته، أي أن استعباد الإنسان للإنسان هو الذي يحدد مظهره الذي يليق به أمام الله؟
‫ 

#‏العقل_زينة‬
لمن يرغب في التأكد، الروابط أدناه لمراجع من أمهات الكتب:
- الفقه على المذاهب الأربعة – الجزيري: 
http://islamport.com/w/fqh/Web/2793/195.htm
- نيل الأوطار - الشوكاني 
http://islamport.com/w/fqh/Web/2795/1183.htm
- كتاب الحاوى الكبير ـ الماوردى 
http://islamport.com/d/2/shf/1/9/326.html
- الشرح الممتع على زاد المستقنع - محمد بن صالح العثيمين
http://islamport.com/w/hnb/Web/883/452.htm
- شرح زاد المستقنع 
http://islamport.com/w/hnb/Web/1741/658.htm
- روح المعاني – الألوسي 
http://islamport.com/w/tfs/Web/2393/4260.htm






للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

من هو الوالي الذي عيّنه الرسول صلى الله عليه وسلّم على مكة بعد الفتح؟

قبل أيام أثار أحد الأصدقاء على الفيسبوك نقطة للنقاش حول حق الولاية على المسجد الحرام، وهل يجب أن يخضع لنظام سياسي، هذا الأمر دفعني للبحث في موضوع غاية في الأهمية، موضوع لم يذكر لنا عنه شيء، ولم نسمع رجال الدين يتناولونه من قريب أو بعيد، وهذا الموضوع هو:

من هو الشخص الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم على مكة بعد الفتح، وما هي الشروط التي استوفاها أو ميزاته التي تم بناء عليها هذا التعيين؟

للإجابة على هذا السؤال تصفحت العشرات من أمهات الكتب التي تناولت الموضوع وخلاصة ما وجدت أنّ شخصا اسمه عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي وهو ابن جويرية بنت أبي جهل، أسلم بعد الفتح وكان عمره عشرون عاما، ولاّه رسول الله على مكة بعد الفتح وخلف معه معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري يعلّمان الناس السنن والتفقه في الدين، أي مستشارين دينيين كما جرت العادة عند الحكام العرب من عهد العباسيين إلی أيامنا!

يصعب على العقل تصديق هذا الكلام، حتى وإن ذكرته  أمهات الكتب، فإجماع هذه الكتب علی أن الرسول عاد إلی المدينة بعد الفتح وأنه لم يولّ أحدا من أصحابه أو من كبار رجالات قريش الذي دخلوا في الإسلام وإنّما ولّی شابا صغيرا من بني أمية لم يمر علی اسلامه الا بضعة أيام ولا تكاد تذكره هذه الكتب في أي واقعة أخری لأمرٌ مثير للدهشة والاستغراب،  ويبدو جلّيا أن الكتب نقلت عن بعضها البعض ونقلت لنا تاريخا فيه الكثير من الأكاذيب.

السؤال هو: لماذا تمّ تلفيق مثل هذه القصة؟ وكم هو عدد القصة الملفقة في هذه الكتب التي كتبت قرونا بعد تاريخ حدوث تلك القصص؟

واللبيب بالإشارة يفهم

#العقل_زينة



للتأكد، إليكم بعض ما وجدت (مع ذكراسم الكتاب والرابط):

- "عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الرحمن. وقيل: أبو محمد. أسلم يوم فتح مكة واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة عام الفتح حين خروجه إلى حنين" (الإستيعاب في معرفة الأصحاب المؤلف : ابن عبد البر http://bit.ly/1aJpbsV )

- "عتاب بن أسيد بن أبي العيص، أسلم يوم فتح مكة فحسن إسلامه واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فقال له: يا رسول الله أصحبك وأكون معك، فقال له: " أو ما ترضى بأن استعملتك على أهل الله "" ( أنساب الأشراف للبلاذري http://bit.ly/1aJpioi)

- "عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمه أروى بنت عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، فولد عتاب بن أسيد عبد الرحمن وعتابا ، وأمهما جويرية بنت أبي جهل بن هشام بن المغيرة ، وأسلم عتاب بن أسيد يوم فتح مكة ، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى حنين يوم السبت لست ليال خلون من شوال سنة ثمان ، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلي بهم ، وخلف معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري يعلمان الناس السنن والتفقه في الدين ، وقال لعتاب : « أتدري على ما استعملتك ؟ » . قال : الله ورسوله أعلم . قال : « استعملتك على أهل الله »" (الجزء المتمم لطبقات ابن سعد http://bit.ly/1aJpsMy )

- "عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل أبا محمد. أسلم يوم فتح مكة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة عام الفتح في حين خروجه إلى حنين، فأقام للناس الحج تلك السنة وهي سنة ثمان، ولم يزل أميرا على مكة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره أبو بكر عليها، فلم يزل عليها إلى أن مات" ( تخريج الدلالات السمعية له (ص) من الحرف والصنائع والعمالات للخزاعي http://bit.ly/1aJpCDp )

- "وكان عتاب وقت تأمير رسول الله صلى الله عليه وسلم له في العشرين من عمره" (دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي http://bit.ly/1aJpGmO )

- "عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية : إستعمله رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على أهل مكة (قال له : ) إنطلق فقد إستعملتك على أهل الله يعني مكة فكان شديداً على (المنافقين) ليّناً للمؤمنين" ( الكشف والبيان / للثعلبى http://bit.ly/1aJpLqv )

- " فلما كان عام فتح مكة سنة ثمان استعمل النبي )ص( عتاب بن أسيد بن أبي العيص ابن أمية بن عبد شمس على مكة ومضى إلى حنين فغزا هوازن" ( أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي http://bit.ly/1aJpTGz )

- "منهم من أمره النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله نائبا له كما استعمل عتاب بن أسيد أميرا على مكة نائبا عنه وكان من خيار المسلمين كان يقول : يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحدا منكم قد تخلف عن الصلاة إلا ضربت عنقه" (مجموع فتاوى ابن تيمية http://bit.ly/1aJpZ0I )

- أما ابن سعد في الطبقات فيذكر شخصا آخر اسمه "هبيرة بن شبل" ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثم ولى بعده عتاب قبل الحج: " لما خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى الطائف في عام الفتح استخلف على مكة هبيرة بن شبل بن العجلان الثقفي فلما رجع من الطائف وأراد الخروج إلى المدينة استعمل عتاب بن أسيد على مكة وعلى الحج سنة ثمان" (الطبقات الكبرى لابن سعد http://bit.ly/1aJqdVS )

استنادا إلى هذا الحديث: " أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ ، حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : " لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ فِي عَامِ الْفَتْحِ اسْتَخْلَفَ عَلَى مَكَّةَ هُبَيْرَةَ بْنَ شِبْلِ بْنِ الْعَجْلانِ الثَّقَفِيَّ ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَدِينَةِ اسْتَعْمَلَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ وَعَلَى الْحَجِّ سَنَةَ ثَمَانٍ " ."  المصدر: http://bit.ly/1aJqckO




للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts

الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

تدبّر القصص في القرآن : التدوينة 1: عبور موسى عليه السلام ومن معه البحر



بسم الله الرحمن الرحيم



"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" 82- النساء

"إنَّ هَذا الْقُرآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إسْرِائيلَ أَكْثَرَ الّذي هُم فيهِ يَختلِفونَ" 76 - النمل

في هذه المجموعة من التدوينات سأقوم بتدبّر بعض القصص من القرآن ومن القرآن وحده، وهذا النوع من
 التدوينات موجّه لمن يؤمنون بالقرآن كتابا سماويا، لا اختلاف ولا تعارض فيه، وأنّه لا يحتاج لغيره من الكتب لشرح و توضيح قَصصه.

كما سأسعى إن شاء الله في وقت لاحق إلى كتابة مجموعة أخرى من التدوينات في نفس الموضوع لكن بطريقة موجهة لجمهور أكبر.

يدفعني لهذا النوع من التدوينات عدة أسباب، أهمها:


  • أن كثيرا من القصص التي نقلها لنا الأوّلون تلتقي في مضمونها مع روايات قادمة من مصادر أخرى مثل ما اصطلح عليه "الإسرائيليات" وتتعارض مع ما جاء في القرآن ورغم ذلك يتعامل معها كثيرون على أنها مقدسات لا لُبس فيها


  • أن مسرح أحداث القصص في القرآن لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى فلسطين، بل يشير إلى مسرح آخر، وسأسعى من خلال هذه السلسلة من التدوينات إلى اثبات ذلك وسأحاول كشف المسرح الحقيقي، إن وفقني الله إلى ذلك.


  • إثبات أن أرض فلسطين ليست محل أي صراع ديني، وأن ملكيتها تعود لأهلها الأصليين ولا يحق لأيّ كان المطالبة بحق مزعوم فيها.


  • رفض ابقاء الصراع القائم على أرض فلسطين بطبيعته الحالية غير القابلة للحل وايجاد مساحة فكرية جديدة لتكون أرضا خصبة لحل دائم يعيد الحق لأصحاب الأرض الأصليين كاملا بلا انتقاص.

أعلم أن فئتين من الناس لن تروق لهم تدويناتي، الأولى لا تعترف بالقرآن كتابا سماويا، وهذه التدوينات ليست موجهة لها، والثانية تؤمن أن القرآن كتاب الله لكنها تعتقد أنه يحتاج لغيره لتوضيح معانيه، وهذا برأيي ما لا يمكن قبوله، فقد قال الله سبحانه وتعالى في مطلع سورة هود "الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"، وفي الأية 62 من سورة آل عمران: "إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".

وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن القبول باقحام البعض لحيدث مرفوع وضعيف عن منح رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيت لحم في فلسطين لتميم الداري اللخمي (وهو من قبيلة لخم اليمنية، وقد كان نصرانيا ثم أسلم) للاستدلال أو اثبات أي شيء يتعلق بأي مرور أو حق لبني اسرائيل (ثم اليهود من بعدهم) بفلسطين لتناقض الرواية وغرابة محتواها: "قال عكرمة لما أسلم تميم قال: يا رسول الله, إن الله مظهرك على الأرض كلها, فهب لي قريتي من بيت لحم, قال: هي لك وكتب له بها, قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر, فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه"!( المصدر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : http://bit.ly/12KuoAX )

وأنصح الفئة الثانية قبل رفض هذا النوع من التدوينات، قراءة محتواها، واعادة النظر في قدرة القرآن الإعجازية والبلاغية في ايصال المعنى كاملا وبمنتهى الدقة دون الحاجة لأي مساعدة.

كنت قد كتبت بعض التدوينات بآلية بحث محددة، وسأعتمدها نفسها في القادم من التدوينات، وهي تقوم على:


  • تحديد القصة المراد البحث عنها وتدبّرها.


  • ايجاد كل الآيات القرآنية التي تتحدث عن القصة باستخدام محركات البحث في القرآن وبتحديد الكلمات المفاتيح اللازمة لذلك، ففي هذه التدوينة مثلا الكلمات التالية هي من مفاتيح البحث: موسى، بني إسرائيل، فرعون، مصر، البحر، اليمّ ...


  • تجميع كل الآيات، وقراءتها بتمعّن، وترتيبها حسب أحداث القصة، للحصول على أكبر كم من التفاصيل وتمكين ربطها.


  • استخدام معاجم اللغة العربية ، وهي متاحة الكترونيا، لشرح معاني الكلمات التي يصعب فهمها ويمكن الاستفادة من هذا الموقع في ذلك: http://www.baheth.info.


  • التعامل مع أسماء الأعلام والأماكن والقصص بتجرّد تام ودون السماح لأي معلومة سابقة أو قصة أن تفسد هذا التدبّر، والتعامل مع النص القرآني على أنه المرجع الوحيد للقصة، وسيتبيّن سبب هذا النهج لاحقا.


  • تدبّر القصة القرآنية ومحاولة فكّ رموزها واستنباط ما تحمله الكلمات بين طيّاتها من معان بتمعّن شديد ورسم الاطار العام لها واستنتاج كل ما يتعلق بظروفها الزمانية والمكانية والبيئية والاجتماعية وغيرها من المجالات.

سأحاول في هذه السلسلة من التدوينات اكتشاف الأماكن أو وضع احتمالات للأماكن التي يمكن أن توافق الوصف والأحداث الواردة في القصص، وهذا اجتهاد قد أصيب فيه وقد أخطئ، لكني سأتقصى النهج العلمي وسأتزوّد بالدليل والحجّة فيما سأورده وأسأل الله التوفيق والتمكين في ذلك.

التدوينة الأولى سأخصصها لقصة سيدنا موسى وبني إسرائيل عندما جاوز الله بهم البحر وأغرق فرعون وجنوده في اليمّ وسأكتفي بالشقّ الذي يبدأ من لحظة الخروج ليلا إلى لحظة الوصول إلى الجهة الأخرى من البحر.

سيتساءل البعض عن جدوى هذا البحث في حين أنه من الثابت لدى أغلب الناس أن موسى عليه السلام كان يعيش في مصر (جمهورية مصر حاليا) ولحقه فرعون ملك مصر حينها، وضرب موسى عليه السلام عصاه عند البحر (ويعتقد أغلب الناس أنه البحر الأحمر) وعبر ومن معه إلى سيناء وغرق فرعون وجنوده هناك، والإجابة كما ذكرت فيما سبق أنه يجب التعامل مع النص بتجرّد من جهة ومن جهة أخرى فإن التمعّن في تاريخ التسمية يؤكد لنا أن بلاد القبط حصلت على اسم مصر بعد فتح عمرو بن العاص لها وليس قبله، فكان أهلها أقباطا ولم يكونوا مصريين. فقد روت لنا كتب الأثر عن النجار القبطي الذي أصلح الكعبة قبل الإسلام ولم تصفه بالمصري (المصدر تاريخ الطبري : http://bit.ly/12KthkR) ، والرسول صلى الله عليه وسلم خاطب المقوقس بعظيم القبط ولم يصفه بعظيم مصر (المصدر: الرحيق المختوم : http://bit.ly/12KvgFQ) ، وأم المؤمنين مارية كانت قبطية ولم تكن مصرية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها هذه الصفحة من كتاب الأنساب للسمعاني التي تذكر كثير من الأقباط: http://bit.ly/12Kx8OX ).
فلو كانت مصر المقصودة في قصة سيدنا يوسف هي بلاد القبط كما كان يعرفها العرب قبل الفتح لقال الله في كتابه "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ" القبط وليس مصر أو قال في قصة سيدنا موسى "اهْبِطُوا" أرض القبط وليس مصرا. 

أما بالنسبة لكلمة فرعون فإننا "لا نجد دليلا واحدا في خرطوش واحد من الخراطيش الملكية التي تحمل أسماء الملوك يشير إلى ذلك اللقب " بر - عا " ( المصدر ويكيبيديا: http://bit.ly/127Yhrv ) أي فرعون. لكن لأن القرآن والعهد القديم ذكرا أن فرعون كان ملكا على مصر التي أُسقط اسمها على بلاد القبط فأصبح الفرعون اسما لكل ملوك بلاد القبط (مصر الحالية)، في حين أنه لا دليل في كل الآثار على ذلك.

ورغم عدم وجود هذ الكلمة في كل الآثار إلا أن الحضارة القبطية العظيمة صار اسمها الحضارة الفرعونية.

وسأكون سعيدا بمن سيثري هذه التدوينة بمصدر في الكتب والآثار يشير إلى استخدام الكلمة الثلاثية "م ص ر" أو "MISR" وليس القبط "Egypt" قبل فتح عمرو بن العاص واقامته فسطاط مصر، أو دليل واحد على وجود كلمة فرعون في الآثار القبطية (المصرية حاليا).


العبور هو أحد أهم الأحداث في التاريخ التي لها عظيم الأثر في حياة الشعوب من الماضي إلى الحاضر وسيمتد هذا الأثر إلى أجل غير معلوم من المستقبل إلى حين ظهور الحقيقة كاملة عن كيفية وموضع حدوثه.

المقصود بالعبور هو القصة الشهيرة عن خروج النبي موسى عليه السلام ومعه أخوه هارون عليه السلام وبني إسرائيل هروبا من فرعون وظلمه، فلحق بهم فرعون وجنوده، وكان موسى ومن معه عند البحر فأمره الله بضرب البحر بعصاه فانشق وجاوز هو ومن معه البحر وعندما لحقهم فرعون وجنودهم أغرقهم الله جميعا في اليمّ.

سأتناول القصة تماما كما جاءت في القرآن من عند الأمر"وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي"،

- أولا أوحى الله إلى سيدنا موسى أن "أسرِ بعبادي" والآيات هي:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ الشعراء (52) - 
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) - الدخان

والسُّرَى، كالهُدَى: سَيْرُ عامَّةِ اللَّيْلِ (القاموس المحيط)
والسُّرَى: سَيرُ الليلِ عامَّتهِ، وقيل: السُّرَى سيرُ الليلِ كلِّه (لسان العرب)

أي أن سيدنا موسى سار بمن معه ليلا، فساروا الليل كلّه أو عامته وهو يعلم أنهم متّبعون من فرعون وجنوده. وطول الليلة يختلف حسب موقعها من فصول السنة فتكون الأقصر عند الانقلاب الصيفي بمدة أكثر من تسع ساعات، وتكون الأطول عند الانقلاب الشتوي حيث تكون أقل من أربع عشرة ساعة، وفي المتوسط تكون إحدى عشرة ساعة. أي أن سيدنا موسى ومن معه ساروا عامة ليلة يتراوح طولها بين 9 و13 ساعة.

في هذه الأثناء:

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) - الشعراء

والحشر هو الجمع (لسان العرب)، 

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) إِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) -الشعراء

والشرذمة القطعة من الشيء(لسان العرب)وهو دلالةعلى قلة عدد موسى وأصحابه، والغيظ كَرْبٍ يلحقُ الإنسانَ مِن غيره فيغيظه غيظا (لسان العرب) والحاذرون هم المستعدون (لسان العرب)
أي أن فرعون أرسل يجمع جنوده من المدائن، وقالوا أن موسى ومن معه شرذمة قليون، وهم يريدون أن يغيظوننا، وإننا لجميع مستعدون.

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)

أي مصبحين عند شروق الشمس (لسان العرب)، أي أنه بعد انقضاء الليلة، كان فرعون قد جمع جنوده واستعدوا للحاق بموسى ومن معه الذين ساروا طول الليل.

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)

تمكن فرعون وجنوده من اللحاق بموسى ومن معه بسبب تفاوت سرعة الجمعين، فلما تراءى الجمعان، أي رأت كل جماعة الأخرى، والترائي هنا قد يتفاوت مداه حسب وضوح الرؤية، وحسب ميلان الأرض، وبما أن الترائي كان متبادلا وقريبا من البحر، فهذا يجعل الأرض أكثر استواء، ويجعل مدى الرؤية لتمييز الجسم البشري هو كيلومتر واحد تقريبا.

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) - الشعراء

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخشى (77) - طه

بعد ترائي الجمعين، أدرك أصحاب موسى أنهم مدركون، فسرعة فرعون وجيشه أعلى من سرعتهم، فطمأنهم موسى عليه السلام وقال إن معي ربّي وسوف يهدين، فأُوحي إليه أن اضرب بعصاك البحر، فانفلق كل فرق كالطود (الجبل العظيم - لسان العرب) العظيم ليفتح طريقا يبِسا، ليعبر منه موسى ومن معه للضفة الأخرى.
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) - الدخان

ورهوا أي ساكنا علي هيّنتك (لسان العرب)، أي أن الله أمر موسى أن يسير ومن معه الهوينة وأن لا يخشوا لحاق فرعون بهم، وهذا سيساعدنا في آخر التدوينة في عملية تقدير المسافة التي قطعوها دون أن يلحق فرعون وجنوده حتى بآخر الجمع، ويبيّن القرآن ذلك إذ يقول الله تعالى: 

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثَمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) - الشعراء
وأزلف الشيء قرّبه (لسان العرب) أي أنه تمّ تقريب الآخرين في الجمع حتى لا يدركهم فرعون وجنوده وهذا دليل على قصر المسافة التي قطعوها، ثم أنجاهم الله وأغرق فرعون ومن معه.

وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) - البقرة

أي أن أصحاب موسى وقفوا ينظرون لآل فرعون وهم يغرقون.

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)- يونس

وعندما أدرك فرعون الغرق قال أنه آمن بالله الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنه من المسلمين (أي أن بني إسرائيل كانوا مسلمين)

آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) - يونس

فنجّى الله فرعون ببدنه وتركه لمن خلفه آية، وربما قد تكون هذه الآية لمن تبعوه فورا، أو أنها لم تكتشف بعد (الله أعلم).

لكن ما استوقفني في موضوع الغرق، أنّ كل الآيات التي ذكرته، ذكرت أن ذلك حدث في اليمّ وليس في البحر،

و فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) - طه

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) - الأعراف

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) - الذاريات

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ 40 - القصص

واليمّ في لسان العرب كما عرّفه الليث هو البحر الذي لا يدرك قعره ولاشطآه، لكن يمكن اعتبار أن الاغراق تم ّ في اليمّ وليس في البحر سيعطي دلالة على المكان وخاصة أن في القصة القرآنية وبعد أن يترك موسى بني إسرائيل ليواعد الله أربعين يوما سيعود ليجدهم قد صنعوا عجلا وتمّ بعد ذلك حرقه ونسفه في اليم أيضا(لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا 97 طه).

سأتوقف عند هذه النقطة وسأعود لأحداث ما بعد العبور في تدونيات قادمة إن شاء الله، لكن قبل الخوض في بعض نتائج هذا التدّبر، أحب أن أضع الآيات التالية، التي تشير بما لا يدع مجالا للشك، أن الله أورث بني إسرائيل الأرض التي كان يعيش فيها فرعون وعندما سئموا التزوّد من طعام واحد في أرض لا مجال فيها للزراعة وطلبوا أن يأكلوا من زرع الأرض، أمرهم "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ".

أي أنهم عادوا إلى مصر التي خرجوا منهاولم يذهبوا لأي مكان آخر إلى حين وسأتحدث عن ذلك أيضا في تدوينة خاصة إن شاء الله.

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) 

فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) 

كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) - الدخان

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)- البقرة

فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) - الإسراء

"قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"


ما يمكن استنتاجه بشكل مباشر من تدبّر آيات قصة غرق فرعون هي النقاط التالية:

1- سير موسى عليه السلام ومن معه كان ليلا، ولو افترضنا أن معدل سرعة سير الإنسان العادي هو أربع كيلومترات فإن سرعة أصحاب موسى الذين سنفترض أنه كان من بينهم نساء وشيوخ وأطفال وبعض المتاع والدواب، فسيكون حتما أقل من ذلك، وسأعتبر تجاوزا أن سرعتهم كانت كيلومترين في الساعة ودام ذلك طول الليل دون توقف لمدة عشر ساعات تقريبا فتكون المسافة القصوى التي مشوها طوال الليل هي عشرين كيلومترا.

2- في غضون الليل استطاع فرعون أن يحشر جنده من المدائن وينطلق بهم عند شروق الشمس، وهذا يدل على قرب المسافة بين المدائن الي حشر منها جنوده أجمعين ويدلّ على صغر مساحة مصر التي  جرت فيها القصة والتي كان يحكمها فرعون.

3- لو افترضنا أن سير الجيش كانت بنمط سريع وأن الجيش كان يضم خيالة ومشاة، سأعتبر أن سرعة الجيش كانت خمس كيلومترات في الساعة، أي أنهم بحاجة لأربع ساعات للوصول للمكان الذي وصل إليه موسى وأصحابه بعد مسير ليلة كاملة.

4-في خلال هذا الوقت سيسير موسى ومن معه مسافة اضافية وسأفترض لأسباب التعب أو أخذ قسط من الراحة أنها ليست ثماني كيلومتلرات وإنما خمس،

5- سيحتاج جند فرعون لساعة اضافية لقطع هذه المسافة، وعندها سيكونون على بعد أقل من كيلومترين من موسى وأصحابه، وهي لحظة الترائي.

6- مجموع المسافة التي قطعها الجمعان في هذا الملاحقة حسب هذا الافتراض هو 27 كيلومترا كحد أقصى. (يمكن ضرب القيم في 1.2 لقيم أكبر قليلا، لكن العقل لن يقبّل قيما أكبر من ذلك بسبب محدودية القدرة البشرية وتناسبها مع الأرض التي يعيش عليها)

7- بعدما انفلق البحر سيسير موسى ومن معه على أرض يابسة "رهوا"، ويفترض أن هذه الأرض الياسبة لم تكن ذات عمق وإلا لاضطر الجمع للهبوط في هذا العمق ثم الصعود إلى مستوى البحر ثانية ولكان ذلك صعبا وسيعرضهم للحاق، وهذا قد يساعد لاحقا في اعطاء تصوّر عن الأماكن المحتملة لهذا العبور.

8- سار موسى ومن معه بهدوء لكنهم كانوا يخشون الادراك، فأزلف الله الآخرين منهم أي قربهم، وهذا يدّل أن المسافة التي قطعوها كانت ستسمح لفرعون ومن معه بادراكهم.

9-أطول مسافة يمكن أن يسيرها موسى ومن معه بسرعة كيلومترين في الساعة على أن يكون موسى وجنده على وشك اللحاق بهم يمكن حسابها كما يلي:

لو اعتبرنا أن المسافة الفاصلة بين الجمعين لحظة الترائي هي أقل من كيلومترين ولتكن في أحسن حالات النظر كيلومترا ونصف (مع العلم أنه على بعد كيلومتر واحد يصعب على عين البشرية تمييز الجسم البشري)، فإن مقدّمة جيش فرعون ستحتاج لعشرين دقيقة تقريبا لبلوغ النقطة التي انطلق منها موسى ومن معه ويجب أن تكون هذه العشرون دقيقة كافية لموسى ومن معه للدخول جميعا في هذا الممر اليابس.
في ثلث ساعة وبسرعة كيلومترين في الساعة ستكون مقدمة جماعة موسى قد قطعت ست مائة مترا تقريبا، وعندها ستكون مقدمة جيش فرعون عند نقطة البداية.

بسرعة خمس كيلومترات في الساعة سيتحتاج مقدمة جيش فرعون 7 دقائق لقطع 600 متر، وهي المدة التي يجب أن يكون قد أتم أصحاب موسى خروجهم من الطريق اليابس داخل البحر، يكون قد دخل بقية جيش فرعون أجمعين داخل البحر، وليغرقهم الله أجمعين على مرأى من موسى ومن معه.

وهذا يؤكد أن المعبر اليابس داخل البحر كان طوله بحدود 600 مترا فقط وفي أحسن التقديرات وأكثرها تضخيما أقل من كيلومتر واحد.

كل هذا يؤكد أن هذا العبور لم يحدث في جمهورية مصر العربية، ولم يكن البحر الأحمر هو الذي قطعه موسى عليه السلام ومن معه.

أي أن القرآن يقدّم دليل نفي واضح على القصة التي اعتمدت أن موسى عليه السلام ومن معه ساروا في أرض جمهورية مصر العربية (وفي هذه الحالة ستكون المسافة التي يجب أن يمشوها إلى حد بلوغ البحر الأحمر أضعاف تلك التي يمكن أن يسيروها في ليلة واحدة) ليقطعوا بحرا عرضه لا يقل عن 10 كيلومترات في أضيق حالاته،بينما البحر الذي قطعوه لم يزد عرضه عن كيلومتر واحد.

في التدوينات القادمة سأتناول بقية القصة بعد اغراق فرعون، وسأتناول قصص أخرى لأنبياء آخرين وسأبيّن إن شاء الله الترابط الموجود بين قصص الأنبياء بعضها ببعض من جهة ومن جهة أخرى بالبيئة الجغرافية التي حدثت فيها هذه القصص وسأحاول وضع بعض الاحتمالات المنطقية لأراض يمكن أن تحدث فيها هذه الأحداث.






للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts

الأحد، 25 أغسطس 2013

فلسطين بين المقاومة والتحرير وانهاء الصراع



"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام (أو وطن) قومي في فلسطين للشعب اليهودي"

بهذا الاستهلال قدّم بلفور وعد الخارجية البريطانية إلى اللورد روتشيلد لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وعملت الحكومة البريطانية على تنفيذ هذا الوعد وانتهى الأمر بقيام كيان مختلف عن كل دول العالم، يجمع بين مركّبين مختلفين لمفهوم الدولة، الأول  مركب ديني مستقدم من العصور البائدة، والثاني قومي مستحضر من العصر الحديث.

هذا المفهوم المركب للدولة انعكس  على طبيعة الصراع وتحوّل لعقدة استحال معها إيجاد أي نوع من الحلول، فلا الفلسطيني قادر على استعادة أرضه لأنها حق ديني لليهود يدعمهم في ذلك كثير من دول العالم، ولا اليهودي قادر على القضاء على الفلسطيني ولا قادر على التمدد جغرافيا بسبب ديموغرافيته الدينية المحدودة

 ولمواجهة هذا البعد الديني، تطلع الفلسطينيون لبلدان العالمين العربي والإسلامي بإسم المقدسات التي تحتويها فلسطين، لكنها لم تكن كافية لجعل هذه البلدان تهب لتحريرها خصوصا أن كل هذه الدول ليست إلا دولا قائمة على أسس قومية  تدين بالإسلام وتعيش في ظل النظام العالمي المكوّن من دول قومية تعيش تحت مظلة هيئة أمم متحدة وتحتكم لمجلس الأمن، وبالتالي فليس بمقدور العرب والمسلمين مساعدة الفلسطينيين إلا من خلال هذا النظام الذي تسيطر عليه دول منحازة للكيان الديني المسمى إسرائيل.

وفلسطين لها أهمية خاصة لدى أهل الديانات الثلاثة، فأصحاب الديانة المسيحية يعتقدون أنها بلاد المسيح التي فيها وُلد وفيها صُلِب، ووأصحاب الديانة اليهودية يعتقدون أنها الأرض التي منحها الرب لإبراهيم عليه السلام ولأبنائه، وأرض الميعاد التي أعطاها لبني إسرائيل والتي أقيم فيها الهيكل، وأصحاب الديانة الإسلامية يعتبرونها وقفا إسلاميا ويعتقدون أن بها المسجد الأقصى وأن بها الصخرة  المشرفة .التي صلى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ومنها عرج إلى السماء

أمام هذا  الوضع المركب والمعقّد، والذي اختلط فيه الأمر على الفلسطينيين بين كونهم السكان الأصليين لهذه الأرض، وبين هذا الصراع الديني الذي يُفقد هويتهم  كل معانيها ويعتبرهم بشرا سكنوا أرضا ليست لهم وحدهم وإنما هي أرض مشتركة لأصحاب الديانات السماوية، وأمام صمت عالمي مطبق،  وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة هذا الاحتلال بشتى أنواع المقاومة.

المقاومة في الحالة الفلسطينية  هي واجب وحقّ وتتمثل في كل فعل ورد فعل قام به أبناء الشعب الفلسطيني بغية البقاء والصمود سواء كان ذلك داخل الأرض الفلسطينية أو في الشتات، وتنوّعت وسائل المقاومة الفلسطينية  وفقا لقدرات الأفراد والجماعات وضمن الظروف المحيطة بها، فحمل الفلسطينيون السلاح وقاموا بعدة ثورات ونفذوا مئات العمليات العسكرية، وخاضوا الاضرابات والاعتصامات، وأشعلوا الانتفاضات عدة مرات. كما لا يستثنى من المقاومة كل عمل أدبي أو فني قدمه الفلسطينيون بغية تعريف العالم بقضيتهم والحفاظ على تراثهم وهويتهم.

ومن أشكال المقاومة أيضا صمود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948،والمحتلةعام 1967 وتعاملهم مع ظروف الاحتلال القاسية ومع التمييز العنصري، ومع نتائج الاحتلال والاستيطان من مصادرة للأراضي والمياه و القيود على حرية الحركة وحرية العبادة وحرية العمل وحرية البناء، ومعاناة الحواجز والجدار والحصار الاقتصادي، والتضييق على الفلاحين والصيادين والعمال والتجار، والتعرض للأسر في السجون والمعتقلات وسوء المعاملة التي يتعرض لها الأسرى وذويهم، بالإضافة إلى الجو العام من الظلم والقهر المستمر.

وأيضا لجوء الفلسطينيين ومعاناة الغربة وطلب الرزق والهجرة من أجل الحصول على جواز سفر يعيد لهم كرامتهم الإنسانية وإصرارهم على الحفاظ على هويتهم الفلسطينية واحتفاظهم بمفاتيح المنازل والكواشين التي تثبت حقهوقهم في العقارات التي هُجّروا منها،  كلها أشكال رائعة من أشكال المقاومة أيضا.

ولقد نجح الفلسطينيون بمقاومتهم في البقاء والصمود رغم تحالف دول كثيرة عليهم، ورغم تخلي دول أخرى عنهم بأن يكوّنوا لأنفسهم صورة مشرّفة أمام العالم كله كشعب مقاوم لا يقبل الاستسلام أو التفريط في حقوقه وأرضه.

لكن ستبقى أهداف المقاومة هي البقاء والصمود ما لم تُطوِّر وسائلها لتنتقل إلى مرحلة التحرير، وهذا ما فعله الفلسطينيون بانشاء تنظيمات  هدفها تحرير فلسطين، وكان شعار كل هذه التنظيمات هو الكفاح المسلّح لتحرير كامل فلسطين، لكنها لم تنجح في تحرير أي شبر، ويعود ذلك لعدة أسباب داخلية وإقليمية سياسية وعسكرية، وظل السؤال مطروحا كيف يمكن تحرير فلسطين، فتحوّل مشروع التحرير الفلسطيني من التحرير الكامل إلى التحرير الجزئي لاستحالة الأول، فذهبت بعض الأطراف الفلسطينية إلى حل التفاوض، وتمسكت أطراف أخرى بأسلوب المقاومة المسلحة وتطوير قدراتها، وكانت النتيجة سلطة لا حول لها ولا قوة في الضفة الغربية، وشعب محاصر مع مقاومته داخل قطاع غزة، ولا تحرير في الأفق.

ولا يخفى على أي عاقل أن أي عملية تحرير، جزئية كانت أو كاملة لن تنجح إلا بامتلاك الطرف الفلسطيني ومعه العربي والإسلامي للقدرة العسكرية الضاربة والرادعة لجيش الاحتلال ولكل الجيوش التي ستقف إلى جانبه، وهذا الأمر ليس متوقعا لا في المدى القريب ولا البعيد.

لكن ما يهمني من طرح قضية التحرير هو العودة لأساس المشكلة، فلو افترضنا أنه رجحت كفة قوة الفلسطينيين والعرب والمسلمين في زمان ما وتمكنوا من تحرير فلسطين كليّا أو جزئيا، فهل هذا التحرير سينهي الصراع ولن يعاود الطرف المهزوم  محاولة احتلال فلسطين مرة أخرى عندما ترجح كفته مرة أخرى؟ أم ستبقى فلسطين محل صراع حتى يقوم طرف بإبادة الآخر أو حتى يجد العالم حلا لهذا الصراع من جذوره ويعيد الحق لأصحابه كاملا؟

ولانهاء الصراع على أرض فلسطين يجب العودة لجذور المشكلة وتحليلها وإيجاد الحل المناسب لها، وسأناقشها هنا على محورين، أولهما ديني والآخر قومي.

فإن كانت مشكلة فلسطين تتمحور على المحور الديني، فإنه لا يمكن لأصحاب أي ديانة أن يتنازلوا عن هذا الحق للديانة الأخرى وسيبقى الصراع مستمرا إلى الأبد، إلا إذا أباد فريق الفريق الآخر عن بكرة أبيه وهذا أمر مستحيل، وبما أنه لن تحلّ المشكلة بهذه الطريقة فعلى أصحاب الديانات الثلاثة الجلوس وإيجاد حل لهذه المعضلة، فلا يمكن أن يكون الله قد أعطى هذه الأرض لكل الديانات وجعلها أرضا يسفك البشر دماؤهم لأجلها إلى يوم القيامة، وجعل سكانها الأصليين يدفعون ثمن هذا الصراع، وإن لم يستطيعوا إيجاد حلّ مشترك  فليخوضوا حربا عالمية تنتهي بفوز طرف واحد وتنهي الصراع على هذه الأرض!

وطبعا هذا المحور سيجعل العقل يطرح السؤال التالي بقوة: هل حقّا جعل الله فلسطين أرض صراع ديني، أم هناك كذب بشري أدى لكل هذا الظلم وهذا السفك المتواصل للدماء؟

أما إن كانت المشكلة على المحور القومي فليس أسهل من إثبات أن الفلسطينيين هم السكان الأصليون لهذه الأرض وأن الروس والبولنديين والفرنسيين والهنود والأفارقة وغيرهم ليسوا إلا محتلين لها وعليهم تركها لأصحابها الأصليين.

أعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة، لكن نظريا وعمليا ﻻ يمكن إيجاد حل للصراع القائم على أرض فلسطين بناء على المحورين الديني والقومي معا، فهذه اﻷرض إما أرض لديانة أو أرض لقومية، وكل الحلول المشتركة غير قابلة للتطبيق. لكن سأختم هذه التدوينة بما بدأت به حتى أصل لما أصبو إليه، ففلسطين ليست كما زعم بلفور وطن  قومي لشعب يهودي، وإنما هي وطن قومي لشعب فلسطيني ولا يمكن حل هذه القضية على المحور الديني كما أراد لها الصهاينة  وبلفور ومن سار على خطاهم في العالم من العرب والمسلمين وغير العرب وغير المسلمين، فبكل بساطة لا يمكن لهذه الأرض أن تكون أرض صراع ديني وتحتمل كل هذا الظلم باسم الإرادة الإلهية، ولا يمكن أن يكون كل هذا الظلم إلا بإرادة بشرية، ولن يتمكن كل مفكرو العالم من انهاء هذا الصراع على المحور الديني، ولن تنتهي المشكلة إلا باثبات أنه لا وجود لصراع ديني على أرض فلسطين ,وأنه ليس أمام الجميع إلا العودة للمحور الإقليمي والكف عن تقديم الدعم اللامشروط لليهود في احتلالهم ﻷرض شعب آخر، وأنه يجب معاملة الشعب الفلسطيني باعتباره شعبا مثل كل شعوب هذا العالم التي تملك حق العيش في أوطانها بحرية وكرامة.

إن التحرير الجزئي أو الكامل ﻷرض فلسطين سيكون حلا مرحليا ولا ينهي الصراع، وعلى العكس تماما فإن انهاء الصراع سيحرر فلسطين تحريرا كاملا، وهنا أوجه نداء لكل عقل فلسطيني وعربي ومسلم وداعم للحريات في العالم لإعادة التفكير في أساس المشكلة  لكشف الكذبة التي جعلت من فلسطين أرض صراع بين البشر... وإلى ذلك الحين فليحتفظ الفلسطينيون بحقهم وواجبهم في المقاومة ولنفكّر جميعا في انهاء الصراع واعادة الحق كاملا غير منقوص للشعب الفلسطيني.





للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts

الجمعة، 24 مايو 2013

نقاط القوة في الكيان الصهيوني قد تكون ضعفا أيضا



إسرائيل كيان استعماري استيطاني، قائم على جزء كبير من أراضي فلسطين، تبلغ مساحته 20 ألف كم مربع وعدد سكانه اليهود حسب احصاء 2013 أكثر من ستة ملايين نسمة، التركيبة السكانية في إسرائيل مكوّنة من يهود قادمين من عدة دول في العالم ومن أجناس مختلفة، وهي قائمة على فكرة: الوطن القومي لليهود.

تستمد إسرائيل قوتها من الدعم اللا مشروط لفكرة الوطن القومي اليهود، التي ترسخت ظاهريا كوازع أخلاقي تحت مسمى قانون معاداة السامية أو كمبدأ ديني عند كثير من ساسة العالم.

لكن يهودية الدولة بقدر ما تمثل عامل دعم لهذه الدولة ، بقدر ما تمثل مشكلة لها، فالتعداد السكاني لهذه الدولة مرهون بعدد اليهود الذين يرغبون في العيش فيها، وعامل السكان وتعدادهم يفرض على إسرائيل أساليب حياة وعلاقات مختلفة، وحتى مشاريع محدودة، فالطابع العسكري للكيان هو نتيجة هذه الطبيعة الديموغرافية، وهذا أيضا سلاح ذو حدين، فبقدر ما هو جيد بنظر البعض أن يكون الشعب مجيّشا بقدر ما سيخلق مشاكل للمتذمرين والمتدينين ولمن يرغبون في حياة أكثر مدنية وأكثر حرية وأمانا، ومن جهة أخرى محدودية عدد السكان يفرض على إسرائيل التفكير ألف مرة قبل الخوض في أي تجربة عسكرية سواء كانت احتلالا أو حربا خاطفة أو متوسطة نسبيا مع أي طرف كان، كما يخشى هذا الكيان أية خسائر بشرية، ويمنعه من التوسع جغرافيا بأي شكل من الأشكال.

وهذا ما يفرض على هذا الكيان السعي بكل الوسائل لإضعاف جيرانه، وابرام اتفاقيات سلام مع الجميع والعمل على ضمان بقاء الحال على ما هو عليه، وفي ظل هذا العجز البشري سيسعى الكيان الصهيوني بمساعدة الغرب على ابقاء من حوله أقل قوة وتنظيما، لكن قادرا على حفظ النظام والأمن وهذه المعادلة ظلت هي العامل الرئيس في العلاقات العربية الإسرائيلية مع الصديق وغير الصديق، فكل الأنظمة تقريبا كانت قادرة على ترسيخ المعادلة (باستثناء حالة لبنان) وحتى عند اشتداد المقاومة في غزة، فضّل الكيان الانسحاب على البقاء وتعريض نفسه لاستنزاف بشري يخشاه كثيرا، ليس فقط خوفا على الأنفس، وإنما على تأثيراته السلبية أيضا على الآخرين.

ما الذي يجعل اليهودي يترك وطنه الأصلي ويقبل بالعيش في إسرائيل؟ أيهما أقوى الدافع الديني أم مستوى المعيشة المقدّم في هذا الكيان؟

في كلتا الحالتين الكيان الصهيوني مجبر على تنفيذ وعوده بتقديم حياة كريمة لسكانه اليهود القادمين من كل أصقاع العالم والذين لا يزال الكثير منهم يحمل جنسيته الأصلية، ومجبر أيضا على تغذية الدافع الديني وتعزيزه لضمان بقاء المتدينين على هذه الأرض ففي حالة الراغبين في حياة ذات طبيعة مدنية لادينية وكريمة سيفكرون في مغادرة هذا الكيان في حال اختلال هذا العامل أو انخفاضه، ونفس الشيء مع العامل الديني، إن لم يستطع هذا الكيان توفير المبرر الديني للوجود في الدولة، سيتزعزع إيمان المتدينين بضرورة البقاء.

نقطة ضعف الكيان الصهيوني الرئيسية هي تركيبته السكانية لكننا وللأسف الشديد لا نعمل على استغلال هذا الضعف، في حين يدرك هذا الكيان ضعفه تماما وهو مستعد للعيش منكمشا بسلام، على أن ينتهي متناقصا بغير سلام، لكننا نحن من لا يدرك ذلك، فعلينا أن لا نخشى المحتل الضعيف، وعلينا أن نسعى لنكون أقوى، وحينها سيكون ممكنا ليس فقط انهاء الاحتلال بل والصراع أيضا.


تحرير فلسطين واستعادة الحق كاملا غير منقوص ليس مستحيلا، لكن علينا جميعا اعادة فهم المشكلة وتفكيكها ووضع الحلول، فكفانا أحلاما ولنفكر لعل الله يوفقنا ويهدي عقولنا وهو على كل شيء قدير.




للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts

الثلاثاء، 16 أبريل 2013

محاولة لضبط مواقع بعض الأحداث في حياة النبي موسى عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

في هذه التدوينة سأقوم بمحاولة لضبط المواضع التي حدثت فيها أحداث في قصة سيدنا موسى حسب ما وردت في القرآن.

هذه المواضع مبنية على اجتهاد عقلي مبني على تحليل لآيات القرآن ، وبحث عن مواضع جغرافية هي الأقرب والأكثر قبولا لتكون مسرحا لهذه الأحداث بمساعدة الخرائط الموجودة، وما ترسب من قراءة عدد من الكتب تتحث كلها في هذا الموضوع.

هذه الكتب حاولت ضبط هذه الأماكن في مناطق مختلفة، وحسب رأيي أصابت في بعض ما راحت إليه ولم تصب في غيره.

هنا سأكتب ما أقتنع به شخصيا، وقد أصيب وقد أخطئ، مرجعي الأساس في هذه التدوينة هو القرآن، وسأقوم بتحديثها من وقت للآخر.

1- ماء مدين: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" (القصص 23)

أكثر مكان مرشح ليكون هذا المكان هو شلال بني مطرالواقع على احدى تلال جبل النبي شعيب جنوب غربي صنعاء (أعلى جبل ارتفاعا في الجزيرة العربية وبلاد الشام)، وهو مكان كثير الماء

شلال بني مطر، مصدر الصورة: http://alahale.net/uploads/site_images/shalal-20120907-205716.jpg
وسبب اختيار المكان هو ارتباطه بالنبي شعيب عليه السلام الذي بعثه الله إلى مدين.

2- الشجرة: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (القصص 30)
الشجرة الوحيدة التي يمكن أن تكون هذه الشجرة، هي شجرة الغريب  العملاقة التي تعتبر أعجوبة من عجائب هذا الزمن إذ لايوجد مثيل لها في العالم، هذه الشجرة يزيد عمرها حسب الخبراء عن ألفي سنة ويبلغ محيطها 35 مترا ويصل ارتفاعها لـ16 مترا وتقع مقابل جبلي جمدان وسمدان غير بعيد عن جبل صبر الشهير وتقع على بعد 50 كم جنوب مدينة تعز.

شجرة الغريب، المصدر: http://mw2.google.com/mw-panoramio/photos/medium/61097501.jpg
جذع شجرة الغريب، المصدر: http://bit.ly/117XhSr

3- مجمع البحرين: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا" (الكهف 60)
وهو المكان الذي التقى فيه سيدنا موسى بالرجل الصالح.

لا أعتقد أن هناك مكانا أنسب لهذا الوصف من باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن.


مضيق باب المندب، المصدر http://up.qloob.com/upfiles/JCZ93274.jpg


لكن هناك أيضا مكان آخر يحتمل هذه الصفة، هو مدينة عدن، بخلجانها  والصخرة الشهيرة فيها: "قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا" (الكهف 63)


صخرة خرطوم الفيل، المصدر: http://mw2.google.com/mw-panoramio/photos/medium/37299863.jpg

عدن، حيث توجد صخرة الخرطوم، المصدر: جوجل ايرث
المكان الوارد في الصورة السابقة من منطقة عدن، هو أكثر مكان في العالم يمكن أن تنطبق عليه أيضا حادثتان مهمتان في حياة نبي الله موسى عليه السلام وهما:

4- المكان الذي قذفت فيه أم موسى ابنها في التابوت الذي قذفته في اليم  الذي ألقاه إلى الساحل، كما ورد في الآية: "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِ" (طه 39)، فقط تأملوا الخلجان في الصورةالمكبّرة  وتخيلوا وجود قصر عدو موسى على ساحل أحد هذه الخلجان. لنشاهدة المكان بتفاصيل أكثر أنصح باستخدام خرائط جوجل أو جوجل إيرث.

5- وهو أيضا أكثر مكان يمكن أن يجاوز موسى ومن معه من رجال ونساء وشيوخ وأطفال من بني اسرائيل وفرعون وجنوده من ورائهم، فيستطيعون العبور إلى بر آخر، ضمن مسافة قصيرة لا يستطيع فيها جيش سريع اللحاق بقوم راحلين يسيرون ببطؤ، وهي أيضا يجب أن تكون نقطة غير بعيدة عن مقر سكناهم، تمام كما بيّنت فيي النقطة السابقة، بوصفه مكان القذف في اليمّ، وكما ورد في القرآن:
"وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"(يونس 90)


مواقع المواضع المذكورة
وفي الآية 137 من سورة الأعراف يقول الله تعالى: "
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى
 عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ"
أي أنه بعد حادثة العبور أورث الله بني اسرائيل  الذين كانوا ويستضعفون مشارق الأرض وهي حسب فرضية هذه التدوينة هي المناطق الشرقية من اليمن أي ما هو شرق عدن ابتداء بأبين، وصولا إلى  حضرموت، وشرق اليمن بشكل عام، ومغارب الأرض التي بارك الله فيها وهي غرب عدن ومن أهمها إب وتعز 

وصنعاء (غرب اليمن بشكل عام، وهي مناطق جبلية ساحرة الجمال)

إن شاء الله سأخصص تدوينة خاصة بقصة العبور.

والله أعلم

 ملاحظة: هذه التدوينة ستكون محل تحديث وتعديل  في كل مرة تكون المعلومة فيها أكثر اقناعا، وكل الاقتراحات مرحب بها.





للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts

السبت، 13 أبريل 2013

تمشي على استحياء

كانت  خطبة الجمعة جميلة، تحدث فيها الخطيب عن ضرورة رد الاحسان بالاحسان، وفي سياق الخطبة ذكّر  المصلين بقصة سيدنا موسى عندما ورد ماء مدين وكيف سقى  للامرأتين   وكيف رد له أبوهما الشيخ الكبير الاحسان بالاحسان، ولم يفوّت الخطيب فرصة ذكر  "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ" وراح يشدّ على الياء ويمدّ الألف في كلمة "استحياء" ورفع صوته صارخا في مكبّر الصوت وهو يعيدها، وراح يذكّر نساء المسلمين كيف يجب أن تسير المسلمة مقتدية بهذه المرأة، باستحياء لا كما تفعل النساء في أيامنا.

أعلم أن نية الخطيب خير، لكن يبدو أن في الأمر التباسا، فالمرأة التي سارت باستحياء باتجاه الرجل القوي الأمين الذي تولى إلى الظل بعد أن سقا لها ولأختها تدعوه لمقابلة والدها الشيخ الكبير، كانت قبل ذلك تذود (تدفع الناس) عن الماء.

سأشرح الأمر أكثر وسأورد هنا الآيات من سورة القصص، ففيها معان كثيرة وكبيرة، أكبر بكثير من مجرد سير امرأة على استحياء.

"وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)"

هذه الآيات تروي قصة سيدنا موسى وقد خرج خائفا يترقب بعد أن نصحه رجل من أقصى المدينة بأن يخرج منها لأن القوم يتآمرون لقتله.

وعندما  "ورد موسى عليه السلام "ماء مدين" (وارد الماء يرده لحاجة فيه من شرب أو غسل) وجد أمة من الناس يسقون ووجد امرأتين تذودان (الذود هو الطرد والدفع، لسان العرب) فقال ما خطبكما؟ وهو أيضا ممن ورد هذا الماء لحاجة فيه، فردتا لن نسقي حتى يتراجع الرعاء، وهذا يدلّ أن هذا الماء (سواء كان بئرا أو عينا أو بركة) هو للامرأتين وأبيهما تبيعانه للناس، ويبدو أن تزاحم الناس والرعاء (الرعاة وما معهم من مواش) على الماء جعلهن غير قادرات على إدارة عملية البيع، فخشين على الماء ومن ضياعه بلا مقابل، وهن وحدهن على الماء وأبوهما شيخ كبير، فراحتا تدفعان الناس وتطردانهم عن الماء.

هنا يقدّم سيدنا موسى المساعدة ويقوم ببيع الماء للناس، وواضح من سياق القصة أنه أظهر قوة في العمل، وأمانة في رد المال كاملا دون نقصان إلى الامرأتين، اللاتي أدركن ذلك.

ثم تولى إلى الظل، ويبدو أن الجو كان حارا فراح يستظل بعد أن انتهى من السقاية بعد انصراف الناس، وهنا دعا الله أن يغنيه من خيره.

فجاءته احدى الامرأتين تمشي على استحياء، وهذا حال عامة نساء والعرب خاصة (لما عهدناه في مجتمعاتنا)  فعندما تسير امرأة نحو رجل تكنّ لها مشاعر اعجاب أو ودّ لن تفعل إلا ذلك، وربما أجمل موقف يشابه هذه الحالة، هو حال الفتاة التي تخرج لتقدم القهوة لضيوف قدموا إلى البيت وفي زيارتهم نية لخطبة، فتجدها قد سارت  مطأطئة الرأس لا تنظر إلا إلى أسفل قدميها وقد احمر وجهها وانقطع نفسها تكاد تتعثر من الخجل، وهذا حال أغلب النساء، ولا أعتقد أن عليهن السير بهذه الطريقة طول الوقت وفي كل مكان وأمام كل الناس.

وهذه الاشارة لاستحياء المرأة التي راحت تدعو سيدنا موسى للقاء والدها الشيخ، انما هي ستفيد في ما يلي عندما يعرض الشيخ على سيدنا موسى أن ينكح احدى ابنتيه، وأكاد أجزم أنه تزوج من التي دعته للقاء أبيها بسبب ما استشعره من استحياءها وإعجابها به.

ودعوة الأب كانت ليجزي أجر سيدنا موسى على ما قام به من عمل، فذهب سيدنا موسى ليأخذ أجره، فجلس مع الشيخ وقصّ له قصته بعد قتل الرجل وخروجه من المدينة خشية القتل، فأجابه الشيخ لا تخف نجوت من القوم الظالمين، 

وبعد أن أدرك الشيخ حاجة سيدنا موسى لمكان يعيش فيه وعمل يعيش من أجره، وقد لاحظ اعجاب ابنته بهذا الرجل القوي الأمين، وهي تنصحه بأن يستأجره، فقدم الشيخ عرضا مفاده:

أن ينكح احدى ابنتيه (وهنا ترك له الاختيار وغالبا سيختار التي جاءته على استحياء) مقابل أن يأجره ثماني حجج وإن أتمّهن إلى عشر فذاك خير لكن لن يشق عليه إن لم يفعل، وسيكون معه من الصالحين.

بالنسة لي هذا أهم مقطع في القصة، وسأشرح تاليا:

- ربما كان على  سيدنا موسى عليه السلام الابتعاد عن المدينة التي هرب منها مدة ثماني سنوات (ربما حتى يسقط ما عليه في هذه المدة  من الأمر الذي خرج بسببع وهو قتل الرجل) لكن الشيخ أحب أن يُتمّهن إلى عشرة وترك الأمر لسيدنا موسى.
- المصطلح الذي استخدمه في التعبير عن السنوات هو "حِجج". والمتدبّر في دقة الكلمات والمعاني في القرآن سيدرك أن استخدام "حجج" له دلالاته، علما أنه:


في لسان العرب: الحِجَّةُ هي المَوْسِمُ؛ وقيل: في كل حِجَّة أَي في كل سنة، وجمعها حِجَجٌ.

في الصّحّاح في اللغة: حججت البيتَ أحُجُّهُ حَجَّاً، فأنا حاجٌّ. والحَجَّةُ: السنة، والجمع الحِجَجُ.



وهذا يعني أن أهل مدين وسيدنا موسى عليه السلام كانوا يعلمون بأمر الحج، وأن الحج كان معروفا في ذلك الزمان، وهذا يعني أيضا أن كليم الله موسى إن كان يعلم بأمر الحج إلى البيت الحرام، فهو من أولى الناس للقيام بذلك وهو النبي المسلم بنص القرآن، وهذا ما لن تجده في الكتب أخرى.

أعتقد أن هذه الأمور ذات أهمية كبيرة للباحثين عن مسرح أحداث تاريخ الأنبياء، والذي سيكشف كذبة اسقاط مسرح هذه الأحداث على فلسطين دون دليل.

سورة القصص وغيرها من سور القرآن تورد سردا للأحداث ووصفا اعجازيا للأماكن التي حصلت فيها، وتدبّر هذا الكتاب سيوصل حتما للحقيقة، وكما يقول سبحانه وتعالى  "إن هذا لهو القصص الحق".



في التدوينة على الرابط التالي محاولة لضبط مواضع هذه القصة:
http://el3a2elzineh.blogspot.com/2013/04/blog-post_16.html





للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts



وادٍ غيرِ ذي زرع وليس غير ذي ماء

القرآن كتاب عظيم وفيه القصص الحق، وقد أمرنا منا الله سبحانه وتعالى بتدّبر آياته، ومن الآيات التي طالما فكرت في كلماتها هذه الآية : 


 الآية 37 من سورة إبراهيم، مصدر الصورة



الآية (37) من سورة إبراهيم: "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ"

تمّ شرحها لنا على أنها ترك سيدنا إبراهيم لأمنا هاجر مع طفلها إسماعيل في واد قحط بلا ماء ولا طعام، ودعا ربه أن يبعث إليهما الناس ويرزقهما، في حين أن تدبّر الآية لا يوصل هذا المعنى:

فهو يقول:

"ربّنا": وليس ربي

"إنّي" :  أنا إبراهيم

" أسكنت" : ولم يقل تركت، وإنما أسكنت، والإسكان يكون بتأمين سكن سواء كان ذلك ببنائه (وقد ذكر القرآن أن سيدنا إبراهيم واسماعيل هما من رفع قواعد البيت) أو بشراء سكن جاهز) 

"من ذريتي":  من ذريته أي امتداد لنسله، وقد يكون المقصود أبناء أو أبناء وأحفاد وليس بالضرورة ولدا واحدا 

"في واد غير ذي زرع": ولم يقل غير ذي ماء أو غير ذي طعام، وإنما لعدم وجود  حرث وبذر وزرع في الأرض، وهذا لا يمنع وجود الماء وما توفره الأنعام من قوت (من ألبان ولحوم) وما كان يدّخره الناس من طعام، وخصوصا أن عملية إسكان الذرية قد تتطلب وقتا وجهدا، ولا ننسى أن القرآن ذكر كيف قدّم سيدنا إبراهيم لضيفه عجلا وهذا دليل كرم وغنى، 

"عند بيتك الحرام" وهذه اشارة لوجود البيت الحرام وأن سيدنا إبراهيم يعلم بذلك وذريته أيضا تعلم ذلك

"ربنا ليقيموا الصلاة"  ولم يقل يقيما دليل على أن المقصود جماعة من ذريته ولم يقل أيضا ليصلوا بل ليقيموا الصلاة عند البيت الحرام وهذه مهمة عظيمة.

"فاجعل" (وهنا يدعو الله) 

"أفئدة من الناس تهوي إليهم": وهذا دعاء لتوافد الناس (وذكر الأفئدة هنا دليل على القيام بذلك عن حب ولهفة تماما كما يحدث مع من يقصد مكة في وذلك الشعور الجميل الذي ينتاب الفؤاد) علهيم وهم يقيمون الصلاة في هذا المكان 

"وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون": وهذا دعاء بالخير والرزق بالثمر الذي لا يوفره هذا المكان لأنه "غير ذي زرع" والشكر لنعمة لله واستمرار الحياة لهذه الذرية في هذا المكان.

وهذا يدلّ أيضا أن سيدنا إبراهيم وذريته كانوا يعيشون بالأساس في مكان ذي زرع، وكانوا يأكلون مما تنبت الأرض ومن ثمارها، وعندما سكنوا عند البيت الحرام ليقيموا الصلاة، وذلك المكان ليس فيه زرع، هناك دعا سيدنا إبراهيم أن يرزقهم مما نقص عليهم من الثمرات بقدوم الناس إلى المكان الذي نزلوا فيه للعبادة أو للتجارة لعلهم يشكرون.


فهل يستوي المعنيان؟ 






للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts