السبت، 28 فبراير 2015

عن جريمة عصابات داعش في نينوى، وأهمية الآثار في صراعنا لاستعادة تاريخ المنطقة الذي تمّ تزويره

قامت عصابات داعش  بنشر تسجيل مصوّر لعناصرها وهم يقومون بتحطيم تماثيل متحف نينوى شمال العراق، على اعتبار أن ما يقومون به هو تحطيم للأصنام وتطهير للأرض من رجسها.

لا يدرك عناصر عصابات داعش أهمية هذه الآثار ولا يتخيلون حجم الجريمة التي قاموا بها بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة والعالم كله، بتبديدهم لهذا الإرث البشري الحضاري، وهذه الآثار باعتبارها أدلة توثيق تاريخي لهذه المنطقة وسلاح أبنائها لاعادة كتابة تاريخهم الذي زوّره المستشرقون ورجال الدين اعتمادا على مرويات لا سند تاريخي لها.

أفضل مثال على هذا التزوير هو احتلال فلسطين الذي يستند على مزاعم مستقاة من تفسيرات لنصوص التوراة واسقاطات جغرافية لا سند تاريخي لها، حولّها المستشرقون إلى تاريخ مدوّن يدرّس أكاديميا في مختلف الجامعات حول العالم، يفترض أن أحداث التوراة حدثت ضمن جغرافيا بلاد الشام والعراق ومصر، وضمن تواريخ محددة، وقاموا بإقحام أحداث التوراة باعتبارها أحداثا تاريخية حدثت في المنطقة.

تقول القصة التوراتية أن إبراهيم خرج من العراق في القرن التاسع عشر قبل الميلاد (أي تقريبا في عهد الدولة الآشورية الأولى) واتجه من أور إلى تركيا شمالا ثم اتجه جنوبا إلى أرض كنعان، وقد ورد في سفر التكوين ذكر استخدام الجمال في القوافل في تلك الفترة في حين أن التنقيبات في فلسطين كشفت أن عدد عظام الجمال تزايد في القرن السابع قبل الميلاد وليس قبلها وهو تماما ما تصفه مصادر آشورية من نفس الفترة عن استخدام الجمال. (من كتاب اختلاق إسرائيل القديم لكيث وايتلام ص67).

وفي الوقت الذي تزعم فيه الروايات المبنية على القصة التوراتية أن ممكلة داوود وسليمان قامت بين عامي 1005-931 ق.م واتخذت من القدس عاصمة لها، يؤكد الباحث الصهيوني إسرائيل فنكلشتاين أن الموجودات الأثرية تثبت أن القدس كانت في تلك الفترة قرية صغيرة ولا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال عاصمة لإمبراطورية عظيمة، وليس فقط ذلك بل لا وجود لأي دليل على فتوحات أو تغير في الثقافة الكنعانية (كما يصفها فنكلشتاين) السائدة في المنطقة وقتها، كما لا توجد أي هياكل وبقايا لأي بناء هندسي معماري تذكاري (من كتاب: التوراة مكشوفة على حقيقتها ص 176).

واللافت في الأمر أن كتبة هذا التاريخ التوراتي لا يهتمون أبدا بوجود دولة آشورية عظيمة في المنطقة وكانت في نفس تلك الفترة تسيطر على مساحات كبيرة من آسيا الصغرى وبلاد الشام، وحققت انتصارات عسكرية كبيرة فيها، وأن المصادر الآشورية لم تشر لوجود أمبراطورية داوود وسليمان بأي شكل من الأشكال.

وعند الحديث عن السبي البابلي الذي حدث بحسب مؤرخي التوراة في القرن السادس ق.م والذي قدم الباحث والمفكر العراقي فاضل الربيعي في كتابيه "حقيقة السبي البابلي" وفلسطين المتخيلة"  أدلة على عدم حدوثه في فلسطين وأن الحادثة حصلت في اليمن، يذهب باحث الآثار الصهيوني  إسرائيل فنكلشتاين إلى:  أن زعم أن "أور" هي مسقط رأس إبراهيم ليس إلا اختراعا كهنوتيا قام به العائدون من السبي بعد أن رأوا عظمة الحضارة البابلية لما سيمنحه ذلك من  "سمعة كبيرة عن الوطن الأصلي لسلف قومي مشهور" (أي العراق) ويضيف: "لم تكن أور مشهورة كموقع عريق وعلمي وحضاري فحسب، بل اكتسبت كذلك سمعة ونفوذا عظيمين في كافة أنحاء المنطقة أثناء فترة إعادة تأسيسها كمركز ديني من قَبل ملك البابليين أو الكلدانيين.. وهكذا فإن الإشارة إلى أصل إبراهيم في أور كانت ستقدم نسبا وأصالة ثقافية بارزة وقديمة" (من كتاب التوراة مكشوفة على حقيقتها).

لم يستطع باحثو الآثار الصهاينة إيجاد آثار تؤكد مزاعمهم حول حقهم التاريخي في فلسطين، وبقيت الآثار أدلة نفي لكل مزاعمهم، بل وهي أدلة اثبات لتاريخ بديل عاشته المنطقة.

ما قامت به عصابات داعش بمنتهى الهمجية واللامبالاة والجهل في نينوى كان هدية مجانية للكيان الصهيوني، الذي لم يدخر جهدا في الاستيلاء على كل القطع الأثرية التي عُثر عليها في فلسطين... فتدمير الآثار الأشورية والبابلية هو تدمير لأسلحتنا وأسلحة الأجيال القادمة في معركة استعادة التاريخ الحقيقي لهذه المنطقة وانهاء الصراع الرئيسي والذي أفرز صراعات دموية كثيرة تستنزف المنطقة والتي لا أحد يعلم متى ستندمل.







للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts