أدرك تماما أن احتلال فلسطين ومأساة شعبها في جوهره احتلال استيطاني قامت به ولا زالت عصابات صهيونية متعددة الجنسيات بدعم عدد كبير من أنظمة العالم، علنا كان ذلك أم سرا، وأنه ليس كما يبدو في ظاهره صراعا دينيا بين شعب الله المختار (الصهاينة) والجبارين الظاهرين على الحق في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس (الفلسطينيون أحفاد الكنعانيين).
لقد التصق اسم الكنعانيين بالفلسطينيين حيث صار ملازما في اﻷذهان وصار محل فخر عند الكثيرين.
لكن عند قراءة أسفار التوراة سيكتشف القارئ أن كنعان ليس إلا كناية عن اللعنة والنجاسة!
تبدأ حكاية لعنة كنعان في التوراة من سفر التكوين في قصة نوح، فقد خرج مع نوح من الفلك: سام وحام ويافث وكنعان ابن حام.
وفي حادث غريب "ابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا. 21 وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ."، فأبصر حام عورة أبيه.
عندها قام سام ويافث بتغطية أبيهما دون النظر إلى عورته، وعندما استفاق نوح وعلم ما فعل ابنه الصغير لعن ابنه كنعان قائلا: "ملعون كنعان! عبد العبيد يكون ﻹخوته". (غالبا حسب النص التوراتي كنعان هو ابن نوح الرابع وليس ابن حام (الصديق الباحث سيد شتيوي هو الذي لفت انتباهي لهذه النقطة))
وقسّم نوح جهات اﻷرض بين أبنائه ويظهر أثر اللعنة اﻷول في قصة إبراهيم حفيد سام بن نوح، فخرج أبرام (إبراهيم) ومعه ساراي (سارة) ولوط من أور الكلدانيين (أور الكسديم في التوراة) إلى حاران ومنها أتوا إلى أرض الملعون كنعان.
وهناك ظهر الرب ﻷبرام وأعطى له ولنسله أرض كنعان.
ومن بين كل ذريته اختار إبراهيم يعقوب ليرث البركة والعهد، التي لم يحظى بها أخوه اﻷكبر عيسو، ولا أبناء إبراهيم: اسماعيل (ابن هاجر) واسحق (ابن سارة) وأبناؤه الستة من جاريته قطورة.
وبعد أن اشترى يعقوب البكورية من أخيه اﻷكبر عيسو مقابل خبز وطبق عدس، وخداع أبيه الكفيف بإيهامه بأنه ابنه المحبوب عيسو، سرق يعقوب البكورية والبركة. ليأتي الرب بعدها ويجدد العهد فيعطيه له ولذريته أرض الملعون كنعان.
وتأكيدا للعنة كنعان، منع إبراهيم اسحق من الزواج من بنات الكنعانيين، وذات الوصية وصاها اسحق ليعقوب.
أما عيسو ومن باب الانتقام للخديعة التي تعرض لها فذهب إلى اسماعيل وأخذ محلة ابنته،
وأخذ لنفسه زوجات من بنات كنعان الملعون.
وعندما نزل يعقوب في شكيم من أرض كنعان، خرجت دينة ابنة يعقوب لتنظر بنات اﻷرض، فرآها شكيم ابن حمور رئيس اﻷرض وأخذها واضطجع معها وأذلها. لكنه أحبها فطلبها للزواج إلا أن إخوتها رفضوا طلبه بسبب أنه كنعاني أغلف (نجس)
فاشترط أبناء يعقوب على حيمور ريس اﻷرض أن يختنوا جميعهم ليصيروا شعبا واحدا، فيتناسبوا فيما بينهم ويسكنوا معا ويملكوا اﻷرض، وبعدما وثق حيمور الكنعاني بيعقوب وأبنائه، قام شمعون ولاوي ابنا يعقوب بقتل حيمور وابنه، ثم نهب أبناء يعقوب كل المدينة وسبوا كل من فيها.
وتأكيدا على اللعنة التي ستلحق بكل من يقترب من كنعان، دخل يهوذا على ابنة رجل كنعاني،
وأنجبت له ثلاثة أبناء، فزوج ابنه اﻷكبر من امرأة اسمها ثامار، لكنه مات قبل أن تنجب له ابنا، فطلب من ابنه الثاني أن يدخل بثامار ليقيم ﻷخيه الميت نسلا، لكنه مات دون ذلك، وﻷن الابن الثالث صغير السن طلب يهوذا من أرملة ابنه أن تبقى في بيت أبيها حتى يكبر ابنه الثالث، فقررت ثامار أن تخدع يهوذا فتغطت ببرقع وتلفلفت فظنها يهوذا زانية فاضطجع معها، فحملت منه وولدت له ولدين: فارص وزارح.
وتسلسل اﻷحداث بعد ذلك فيخرج بنو يعقوب إلى مصريم ويبقوا فيها عدة قرون، ثم يخرجوا منها مع موسى بصفتهم بني إسرائيل ليطهروا أرض كنعان من لعنة الكنعانيين ويحققوا وعد الرب ﻹبراهيم ويعقوب.
رغم أن كل آثار فلسطين والمنطقة تنفي أي علاقة لها بقصص التوراة، إلا أن ترجمة التوراة إلى اللغات اﻷخرى جعلت من بلاد القبط (جمهورية مصر حاليا) هي أرض مصريم التوراتية، وجعلت من فلسطين أرض كنعان والفلشتيم.
بعد إعلان وعده المشؤوم قال بلفور: إن القوى اﻷربع العظمى ملتزمة بالصهيونية، وسواء أكانت الصهوينية على خطأ أم على صواب، أو كانت شيئا جيدا أو سيئا، فإنها متأصة بعمق في تراث الماضي البعيد وفي حاجات الحاضر وآمال المستقبل، وهي أهم بكثير من رغبات وتحيزات ال 700 ألف عربي الذين يقطنون اﻵن تلك اﻷرض القديمة:
وقدمت الحكومات الغربية الصهيوينة لشعوبها على أنها عودة بني إسرائيل الجديدة لتطهير أرض كنعان من رجس الكنعانيين الجدد: الفلسطينيين.
الصهاينة متعددو الجنسيات واﻷعراق لا يمكن أن يكونوا من ذرية رجل واحد، ولا أرض فلسطين تشبه أرض التوراة، وليس على الفلسطينيين أن يلبسوا عباءة لعنة كنعان التوراتية.
يقول فاضل الربيعي وهو محق برايي في ذلك: بـ "أن شعوب المنطقة اكتسبت هويات توراتية زائفة". لذا عليهم أن يبحثوا جاهدين لاكتشاف هوياتهم الحقيقية البعيدة كل البعد عن قصص التوراة لعلهم يتحررون من لعنة كنعان.