لم أكن أتصور أني سأحتاج لكتابة الأسطر التالية لمناقشة أو البحث في ما يمكن الفصل فيه بالعقل وحده كما سيتضح في نهاية هذه الأسطر.
للأسف عندما يتعلق الأمر بالبحث والقراءة واعمال العقل، فإننا نكتفي بالاعتماد على موروثنا ورفعه لدرجة المقدس غير القابل للنقد، وإن قال أحد بغير ذلك فننهال عليه بالسخرية أو التشكيك أو التصنيف (علماني، شيعي، ملحد، ليبرالي، عقلاني، قرآني) أوالتسفيه، وأكثر ما يمكن القيام به عند الحاجة هو البحث عن أول مقالة أو صفحة تتحدث في الأمر وتوافق اعتقادنا بقدسية الموروث ونركن لها ونرتاح (وبالعامية: بنفكر حالنا جبنا التايهة واحنا مش عاملين اشي أساسا) خصوصا إن كان في عنوانها "رد الشبهات" ونقوم بنشر تلك المقالة دون حتى البحث أو التيقن من مضمونها، ولا حتى مناقشته بشكل منطقي.
في الأسطر التالية سأتناول حديث البخاري الذي أوردته في مشاركة سابقة على الفيسبوك عن الغسل كمثال على كيفية انقسام الناس في التعامل مع ما جاء به البخاري في صحيحه، بين مؤمن بالصدق التام وبين عاقل يتحرى المنطق في ما يقرأ، وسأكتفي بهذا الحديث وحده ولن أتطرق للروايات الأخرى التي وردت في نفس الحادثة لضعفها وغرابتها.
الحديث :
251- من رواية : عبد الصمد ، عن شعبة ، حدثني أبو بكر بن حفص ، قالَ: سمعت أبا سلمة يقول : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة -رضي الله عنها- فسألها أخوها عن غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعت بإناء نحو من صاع ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب .
الرواية على لسان راويها وهو أبو سلمة ابن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف (كما ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري، الرابط: http://islamport.com/w/srh/Web/2747/848.htm# )
وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن، واسمه عبد الله الأصغر، وأمه تماضر بنت الأصيغ الكلبي، كما ورد في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري، الرابط: (
http://islamport.com/w/nsb/Web/481/1303.htm# )
ويقال أنه مات 94 للهجرة وقيل 104 عن عمر 72 سنة (http://bit.ly/1f6vnTo) أي أنه ولد بعد 20 للهجرة.
وقد ورد اسمه في الكثير من الأحاديث في صحيح البخاري، ولم يسمع حديثا واحدا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما حدث بما سمع من أبيه عبد الرحمن بن عوف ومن عائشة ومن أبي هريرة ومن جابر بن عبد الله وهذا يدل على أن القصة حدثت بعد وفاة الرسول، وفيها احتمالان الأول أنه كان طفلا والثاني أنه كان بالغا عند السؤال. (رابط للأحاديث التي ورد اسمه فيها: http://bit.ly/1moodxK )
أما أخو عائشة الوارد ذكره في القصة، فهو أحد اثنين، إما أخ بالنسب أو أخ بالرضاعة، فإن كان أخا بالنسب فهو أحد اثنين هما عبد الرحمن أو عبد الله وقد ولدا في الجاهلية كما أكد ذلك الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك (الرابط http://islamport.com/w/tkh/Web/2893/914.htm# )
أو أخوها محمد الذي ولد بعد الهجرة (http://bit.ly/1mop0OY)
أما أن يكون أخوها بالرضاعة فهو على الأغلب بالغ، واحتمال أن يكون طفلا احتماله وارد لكنه ضعيف، وسأبقيه.
وبالتالي فإن كان السائل أخوها نسبا أو أخوها بالرضاعة فالاحتملات الموجودة هي:
1- أخو عائشة بالغ وأبو سلمة طفل
2- أخو عائشة بالغ وأبو سلمة بالغ
3- أخو عائشة طفل وأبو سلمة طفل
أما احتمال أن يكون أخو عائشة طفلا وأبو سلمة بالغا فهو غير وارد مما سبق
سأناقش الاحتمالات الثلاثة بالترتيب، وبما أن الحديث عن الغسل بالصاع، فيجب تعريف الصاع أولا، وهو لغةً وكما ورد في لسان العرب: هو أربع أمداد، كل مدّ رطل وثلث والرطل أربع حفنات بكفي الرجل ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، وهو بمقياس زماننا ثلاث لترات تقريبا.
الاحتمال الأول: أخو عائشة بالغ وأبو سلمة طفل:
دخلت أنا (الطفل) وأخو عائشة (البالغ) على عائشة -رضي الله عنها- فسألها أخوها (البالغ) عن غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعت بإناء نحو من صاع (3 لترات من الماء) ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب.
أي أن أخو عائشة البالغ (وعمره لا يقل عن 23 سنة ) عاش مسلما سنوات طويلة وهو لا يعرف كيفية الغسل وجاء بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ليسأل عن كيفية الغسل وأحضر معه طفلا، فقامت عائشة وأفاضت الماء على رأسها وبينها وبينهما حجاب، ليتعلم منها ما لم يتعلمه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الاحتمال الثاني: أخو عائشة بالغ وأبو سلمة بالغ:
دخلت أنا (البالغ) وأخو عائشة (البالغ) على عائشة -رضي الله عنها- فسألها أخوها عن غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعت بإناء نحو من صاع ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب.
أي أن أخا عائشة البالغ لم يتعلم من أبيه أبي بكر ولا من أي أحد من المسلمين طيلة فترة اسلامه كيفية الغسل، ولا أبو سلمة لم يسأل أباه عبد الرحمن بن عوف ذلك، وانتظرا بعد وفاة الرسول ليسألا زوجته عائشة عن ذلك، وعاشا دهرا مسلميْن لا يعرفان كيفية الغسل. وهذا ما لا يمكن تصديقه.
الاحتمال الثالث: أخو عائشة طفل وأبو سلمة طفل:
دخلت أنا (الطفل) وأخو عائشة (الطفل) على عائشة -رضي الله عنها- فسألها أخوها عن غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعت بإناء نحو من صاع ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب
أي أن طفلين لم يبلغا يسألان عن كيفية الغسل وهما لا يحتاجان لذلك وليس عليهما إلا الاستحمام كما كان تغسلهما أمهاتهما، أما إن كانا قد بلغا حديثا ولا يعرفان كيفية الغسل، فافاضة الماء على الرأس لا تحتاج لدرس عملي وهو أمر يعرفه عامة المسلمين.
في النهاية وبالمنطق (والذي لو استخدمناه من البداية لما احتجنا للقيام بكل ما سبق من بحث):
لو جاء طفلان وسألا عاقلا عن كيفية الغسل (وهي كما ورد في الحديث افاضة الماء على الرأس) فسيذكر لهما ذلك ويشرحه بالإشارة إن احتاج الأمر، أما إن ألحا السؤال، فلن يقوم بتقديم درس عملي في كيفية افاضة الماء على الرأس (بالعامية: كب كم كيلة مي على راسك واذا سأل: طيب كيف يعني أكب على راسي مي؟ راح يحكيله زي ما امك كانت تحممك ومش راح يتحمم قدامهم مين ما يكونو).
أما إذا جاء طفلان لبالغ وتحدياه إن كان يستطيع الغسل بصاع من الماء (3 لترات) وقبل التحدي، وأحضر صاعا واغتسل أمامهما بالماء (بحجاب أو بدون حجاب) ثم قال (بالعامية): شفتوا كيف؟ ها.... كفّت المي ولا لأ؟
فهذا الشخص مشكوك في قدراته العقلية والله يكون بعون أهله عليه.
شخصيا لا أصدق أن عائشة -رضي الله عنها- قامت بذلك، فهذه القصة مختلقة وقد تعمد واضعها أن ينهيها بكلمة حجاب عملا بالنص القرآني " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ "، رغم أن المتاع كما عرفه الأزهري: "فأَما المَتاعُ في الأَصل فكل شيء يُنْتَفَعُ به ويُتَبَلَّغُ به ويُتَزَوَّدُ والفَناءُ يأْتي عليه في الدنيا"، وليس السؤال عن كيفية الغسل
وفي النهاية #العقل_زينة
للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts
للمتابعة
على تويتر: https://twitter.com/Safwat_Safi
على الفيسبوك: https://www.facebook.com/safwat.safi
على جوجل +: https://plus.google.com/u/0/114044892980825575911/posts