يهوذا وإسرائيل الضائعتان في جبال زاغروس – رحلتي في البحث عن جغرافية التوراة
تنويه لا بدّ منه:
1- تندرج هذه المادة في اطار اﻷبحاث الكثيرة الرامية للعثور على الجغرافية الحقيقية لقصص التوراة.
2- احتلال فلسطين وإقامة كيان للشعب اليهودي فيها كان ولا يزال بناء على قرارات جيوسياسية للقوى العظمى، وليس بسبب قصص قديمة ووعد مذكور في كتاب عتيق.
3- البحث عن جغرافية التوراة لا يعني بأي شكل من الأشكال الدعوة لاحتلال أرض بدل فلسطين، فليس من حق الحركة الصهيوينة احتلال فلسطين ولا أية أرض أخرى في العالم.
________________________________________________________________________________
في البدء كانت فلسطين، كان عندي يقين أن التوراة تروي قصصها ضمن الجغرافية الفلسطينية.
صغيرا كنت عندما وقع بين يدي كتاب مصوّر غلافه أخضر عليه رسومات تعجّ بالتفاصيل، يروي قصص الملك سليمان، ولا زالت لوحة سليمان ضاحكا وهو يرى بلقيس خائفة من البلل مرتسمة في ذهني، وظل شغفي بقصص اﻷنبياء يشغل تفكيري، وكنت دائما أتوق لكشف أسراره.
على مدار أكثر من مئة عام لم تتمكن فرق التنقيب وعلماء اﻵثار من إثبات حدوث قصص التوراة في فلسطين، فهذه البقعة من اﻷرض لم تعرف تربية الجِمال قبل القرن الثامن ق.م وهو ما يتعارض مع قصة إبراهيم، ولا أدلة قطعيا على حدوث هجرة جماعية من مصر القديمة إلى فلسطين، ولا على تدمير أريحا في العصر البرونزي المتأخر ولا حدوث غزو لشرق فلسطين، ولا انقلابا حضاريا وثقافيا بسبب دخول مكوّن ديموغرافي جديد، ولا تباينا في ثقافة وعادات (الطعام والدفن واﻷواني وغيرها) بين من سكنوا المرتفعات (المفترض أنهم من بني إسرائيل) ومن سكنوا الوديان والتلال (من السكان اﻷصليين)، ولا توجد آثار لمملكة عظيمة في العصر الحديدي (القرن 10 ق.م)، ولم تكن هناك أية مبان في القدس لتكون أورشليم عاصمة لتلك المملكة.
بعض علماء اﻵثار الغربيين والإسرائيليين خرجوا عن صمتهم وقالوا أن هناك تناقضا بين اللقى اﻷثرية وقصص التوراة وأن سبب ذلك هو أسطورية تلك القصص بالمطلق.
بالمقابل في الثمانينات كسر كمال الصليبي التابو وفتح الباب لفكرة الجغرافية البديلة ووضع جبال السراة من عسير مسرحا في كتابه الرائع “التوراة جاءت من جزيرة العرب”. ثم جاء فاضل الربيعي ووضع كتابه العظيم "فلسطين المتخيلة" الذي اتخذ من اليمن مسرحا للأحداث واستطاع أن يقوم بعمل جبار لصياغة نظرية متكاملة وكان أعظم ما قاله برأيي أن “القدس ليست أورشليم” وأن “اسقاط جغرافية التوراة على فلسطين خلق هويات مزيفة في المنطقة”.
فكرة الجغرافية البديلة في شبه الجزيرة العربية كانت ساحرة، وقد كتب باحثون كثر في الموضوع، لكن دون لقى أثرية من عمليات تنقيب عميقة كالتي قام بها علماء اﻵثار في فلسطين وليس من آثار سطحية لم يكن باﻹمكان التحقق من أي من تلك الفرضيات، وفي الوضع اﻹقليمي الراهن ليس متوقعا أن تحدث عمليات تنقيب في المستقبل القريب.
بسبب عدم وجود تقارير عن عمليات تنقيب في غرب الجزيرة العربية وتحديدا ﻵخر اﻷلفية الثانية واﻷلفية اﻷولى قبل الميلاد، وﻷن التوراة كانت المرجع الرئيسي لتحديد مواقع القصص في فلسطين، فقررت أن أخوض بنفسي تجربة البحث عن الجغرافية البديلة في شبه الجزيرة العربية استنادا على النص وبحثا في الخرائط الدقيقة ومطالعة كتب الجغرافية القديمة والحديثة والتعرف على صفات المناطق البيئية والطبيعية.
بعد قراءة أسفار التوراة واستخراج قائمة المواقع منها، اكتشفت أن كتبة اﻷسفار كانوا يكتبون بتناسق شديد وبانسجام، فإما أنهم عاشوا كلهم في ذات الجغرافية، أو أنهم من مؤلفي قصص الفانتازيا وأمامهم نفس الخريطة ويقومون بوصف اﻷحداث عليها.
فالمكان الساحلي لا يتغير وما هو في الشرق يظل في كل القصص في الشرق، والمكان المنخفض يشار له بنفس الصفة في كل اﻷسفار.
عملت طويلا محاولا وضع خريطة بديلة تتناسب مع جغرافية غرب الجزيرة العربية ولم أصل لنتيجة، وكانت المشاكل الرئيسية التي واجهتني:
عدم وجود مكان منخفض يشبه مصر التوراتية، فمصر التوراة ساحلية تقطعها أنهار ووديان بها أسماك وتصلح لزراعة الكروم والتين والرمان وغيرها من الخيرات.
كلما حاولت ترتيب المواقع بالترتيب الذي تضعه التوراة، وكنت أصل دائما إلى طريق مسدود.
البحار واﻷنهار كانت المشكلة الرئيسية، وأكبرها على الاطلاق صفة تخوم اﻷرض التي سيعطيها الرب لموسى في سفر الخروج:
“وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ”
وميثاق الرب ﻹبرايهم في سفر التكوين "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِالْفُرَاتِ”
فعن أي بحرين متقابلين وما هي اﻷرض الممتدة بين نهر الفرات والبرية وعن أي نهرين يتحدث النص؟
إضافة إلى الطبيعة الجغرافية للمواقع كنت آخذ الحيوانات والنباتات بعين الاعتبار في عملية البحث.
بعد الوصول إلى طريق مسدود، وﻷن يهوذا التوراة تقع ضمن سلسلة جبلية، لم يبق لي في شبه الجزيرة العربية إلا مكان واحد أبحث فيه: هو سلطنة عمان، وكان تشابه بعض اﻷسماء الواردة في التوراة مع أسماء مناطق(صُور، شاليم، عبري) وحيوانات في اللهجة المحلية (ثُفن في العبرية (الوبر الصخري))، كان دافعا محفزا في البداية، لكن تلاشى اﻷمل في النهاية بسبب عدم تمكني من مطابقة الجغرافية وبسبب ندرة التقارير والمواقع عن الفترة ما بين أواخر اﻷلفية الثانية واﻷلفية اﻷولى قبل الميلاد، والتي يعكس القليل منها معطيات لا تتناسب من اللقى المتوقعة من منطقة يهوذا وإسرائيل كالتي بحث عنها علماء اﻵثار في فلسطين.
وصلت لقناعة أن العثور على مكان يتطابق مع جغرافية قصص التوراة وخصائصها الطبيعية في شبه الجزيرة العربية أمر مستحيل. وأثار ذلك كل التساؤلات التي كنت أتجاهلها في كل مرة كنت أقرأ فيها التوراة وأفكر في فكرة أن التوراة جاءت من جزيرة العرب، ويمكنني أن أذكر بعضها هنا:
- التوراة لا تعرف البيئة الصحرواية والرملية للجزيرة العربية، ونادرا ما تذكر الصحراء باستثناء صحراء مؤاب وأدوم اللتين يفترض أنهما ليسا في الجزيرة العربية واﻷخطر من ذلك أنها لا تذكر العرب في أسفارها إلا ما ندر.
التوراة لا تتعامل مع النخيل والتمور كثمر أساسي كما هو الحال في الجزيرة العربية، وإنما تتعامل مع الثمار والكروم والعنب والتين والتفاح وغيرها، لدرجة أن يعقوب في قصة يوسف طلب من أبنائه حمل فستق معهم في رحلتهم إلى مصر، فأين يمكن العثور على الفستق في الجزيرة العربية.
التوراة بعيدة كل البعد عن آلهة الجزيرة العربية القديمة وأقوى مثال على ذلك أنه بالرغم من أهمية اﻹله المقة في اليمن القديم إلا أن التوراة لم تعرف هذا اﻹله أبدا.
وأهم نقطة أن بني إسرائيل يحرمون أكل لحم الجمال ويحرمون تقديمها كقربان بالرغم من مكانة الجمل في الجزيرة العربية، وفي ذات الوقت تحرّم التوراة لحم الخنزير وهو غير موجود قطعيا في الجزيرة.
انتقلت للبحث عن جغرافية خارج الجزيرة العربية، وبسبب هاجس داخلي كان يشغلني دائما عند محاولة تفسير قصة الملك الفارسي كورش وسماحه بعودة أصحاب السبي وأوامره بنقل اﻷخشاب من صور وصيدون التوراتيتين (والتي اعتقدت أنها صور العمانية عندما كنت أبحث في جغررافيا الجزيرة العربية) إذ يقول النص في سفر عزرا 3: 7: "وَأَعْطَوْا فِضَّةً لِلنَّحَّاتِينَ وَالنَّجَّارِينَ، وَمَأْكَلًا وَمَشْرَبًا وَزَيْتًا لِلصِّيدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ لِيَأْتُوا بِخَشَبِ أَرْزٍ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى بَحْرِ يَافَا، حَسَبَ إِذْنِ كورَشَ مَلِكِ فَارِسَ لَهُمْ."
قررت اﻹنتقال إلى جغرافية فارس القديمة وسرعان ما وصلت لمنطقة اﻷهواز أو اﻷحواز في محافظة خوزستان وعند البحث كان حجم المعطيات التي تتطابق مع مصر التوراتية صادما:
- اﻷهواز توصف باﻷراضي المنخفضة، تحدها سلسلة جبال زاغروس من الشرق والشمال، مطلة على الخليج ويفصلها عن البصرة شط العرب، يقطعها نهر كارون وأنهار ووديان أخرى، تزدهر فيها شتى أنواع الزراعة من كروم ورمان وتين وحبوب وغيرها، وتاريخيا هي مقر المملكة العيلامية التي دامت بين 2700 ق.م. و 539 ق.م بها عدد كبير من المواقع اﻷثرية وتركت آلاف النقوش المحفورة على الطوب الطيني اﻷحمر، وأشهرها زقورة ومعبد جغا زنبيل ومواقع أخرى كثيرة مبنية من الطوب الطيني المحروق في اﻷفران كالذي اشتكى منه بنو إسرائيل في التوراة:
سفر يهوديت 5: 10: "وَإِذْ كَانَ مَلِكُ مِصْرَ يُعْنِتُهُمْ بِالأَثْقَالِ، وَيَسْتَعْبِدُهُمْ فِي بِنَاءِ مُدُنِهِ بِالطِّينِ وَاللَّبِنِ، صَرَخُوا إِلَى رَبِّهِمْ؛ فَضَرَبَ جَمِيعَ أَرْضِ مِصْرَ ضَرَبَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ."
معبد جوغا زنبيل المبني من الطوب الطيني اﻷحمر المحروق – 1250 ق.م |
طوب منقوش بكتابة مسمارية من معبد عيلامي |
هذه المواقع بناها أشهر ملوك العيلاميين أونتش نابريشا، الذي كانت فترة حكمه في القرن 13 ق.م (الفترة المفترضة للخروج) والذي تقول تقارير فرق التنقيب أن موقع جغا زنبيل أصبح مهجورا بعد وفاة أنتش نابريشا.
نصب للملك أونتش نبريشا ملك أنزان وسوسة على حجر رملي |
تمثال بالحجم الطبيعي من البرونز للملكة نبيراسو زوجة الملك أونتش نابريشا |
وعند استعراض أسماء ملوك عيلام سيلاحظ تكرر اسم انشو شيشنق مما يثير الدهشة عند مقارنته باسم شيشق الذي ورد في التوراة ( shishq mlk mtzrim )..
يقول المقدسي (336-380 هـ) عن اﻷهواز في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة اﻷقاليم: “اﻷهواز مصر خوزستان”، ويقول أيضا "هذا إقليم أرضه نحاس نباتها الذهب ، كثير الثمار والأرزاز والقصب، وفيه الانجاص والحبوب والرطب، والأترنج الفائق والرمّان والعنب، نزيه طيّب أنهاره عجب،، بزّه الديباج والخزّ، والرقاق من القطن والقزّ،، معدن السكّر، والقند والحلواء الجيّدة وعسل القطر،، به تستر التي اسمها في المشرقين، والعسكر التي تميّز الدولتين، والأهواز المشهورة في الخافقين،، وبصنّا الّتي ستورها في الدنيا الى سدرة المنتهى ، ومثل خزّ السّوس لا ترى،، ومع هذا به معادن النفط والقار، ومزارع الرياحين والأطيار ،، ثم واسطة بين فارس والعراق به كانت وقائع الإسلام وثمّ معارك القوم وقبر دانيال لا يخلو من فقيه واستاذ ولا في الثمانية أفصح منهم لغات، به الدواليب الظريفة، والطواحين الغريبة، والأعمال العجيبة،، والخصائص الكثيرة، والمياه الغزيرة،، دخله كان يعضد الخليفة، وله آئين وطيبه،، لم يطب لي في الثمانية، غيره، فما أجلّه من إقليم لولا أهله، وما أحسن قصباته لولا مصره،، لأنّه يعنى الأهواز مزبلة الدنيا، وأهله فمن شرّ الورى.”
عندما أدركت الشبه الكبير بين اﻷهواز ومصر التوراتية، قررت تغيير آلية البحث التي اتبعتها في شبه الجزيرة العربية والتحول إلى علم اﻵثار في منطقة عرفت حضارات كثيرة ومتتالية وشهدت عمليات تنقيب لا تعد ولا تحصى، وهي البحث عما كان علماء اﻵثار يبحثون عنه في فلسطين: المواقع اﻷثرية التي يرجع تاريخها للفترة المفترضة لقصص التوراة (البرونزي المتأخر في فلسطين ويقابلها الحديدي في العراق وإيران) وتحديدا التركيز على الفترة ما بين القرن 13 ق.م إلى القرن السادس ق.م.
الحيلة كانت موفقة وأوصلتني للهدف مباشرة: المواقع المجهولة من تلك الفترة تتركز في شمال غرب إيران في جبال زاغروس قرب بحيرة أورميه المالحة على مقربة من الحدود التركية والعراقية، تم اكتشاف عشرات المواقع اﻷثرية في تلك المنطقة وتم التنقيب عنها في الفترة الممتدة بين خمسينات وسبعينات القرن الماضي ضمن مشروع أطلق عليه اسم مشروع حسنلو وهي بلدة جنوب البحيرة في محافظة غرب أذربيجان اﻹيرانية. المشروع كان لمتحف جامعة بنسلفانيا للآثار والأنثروبولوجيا اﻷمريكية.
موقع عمليات تنقيب مشروع حسنلو جنوب بحرية أورمية |
علما أن المنطقة شهدت عمليات نقيب قبل تلك الفترة ثم توقفت وعادت حديثا وتيرة التنقيبات بشكل بطيء من طرف باحثين إيرانيين.
طالعت مجموعة كبيرة من تقارير عمليات التنقيب وكان أهمها تقرير “متحف جامعة بنسلفانيا للآثار والأنثروبولوجيا – فيلادلفيا” الذي أشرف على مشروع حسنلو للتنقيب في شمال غرب إيران: (Hasanlu V:The Late Bronze and Iron I Periods)، ويمكن تلخيص النقاط الرئيسية التي تهم موضوع هذا البحث في:
- كان جليا في تقارير أعمال التنقيب أنه قد حدث انقلاب ثقافي في آخر البرونزي المتأخر (1450-1250 ق.م) وغالبا سببه هجرة جماعية لجماعات هندو-أوروبية
- كشفت اللقى اﻷثرية وجود صلات ثقافية مع شعوب شمال بلاد الرافدين وجنوب القوقاز
- ظاهرة الأواني الرمادية تشير إلى حدوث انقلاب ثقافي غالبا سببه هجرة كبيرة، لكن بسبب ندرة هذه الهجرات في التاريخ فيمكن استبدال فرضية الهجرة الكبيرة بفرضية التسلل التدريجي الطويل الأمد للمنطقة من قبل المهاجرين (تيار هجرة ثابت).
- كشفت عادات الدفن المختلفة في مواقع التنقيب وجود تنوع حضاري وثقافي
- كثير من المواقع اﻷثرية تعرضت للتدمير والحرق وفي موقع حسنلو سقط سقف قاعة مبنى كبير قائم على أعمدة على رؤوس مئات بسبب حريق كبير بحدود 800 ق.م
- بعض المواقع تم تدميرها مرتين وأعيد بناؤها على نفس الشكل وفوق ذات اﻷسس
التقارير تقدم معلومات غزيرة ومهمة للغاية وتحتاج لمادة خاصة حتى تنال حقها من البحث، لكن ما يهمني في النقاط المستخلصة، أنها هي النقاط التي فشلت كل عمليات التنقيب في فلسطين في العثور عليها.
وبالنظر لخصائص المنطاقة ومحيطها في الاتجاهات اﻷربع بيئيا وطبيعيا وزراعيا ومن حيث التنوع الحيواني والنباتي واﻹنتاج الزراعي، فيمكن بكل سهولة تسجيل ما يلي:
المنطقة تقع في منطقة جبلية بعض جبالها شاهقة جدا، ويقطعها عدد كبير من اﻷنهار وروافد اﻷنهار واﻷودية وتتخللها بعض البراري القاحلة ويحدها من الغرب سهول ومناطق خضراء تزخر بالغابات الكثيفة المطلة على ساحل بحر قزوين، وتعرف المنطقة عدد كبيرا جدا من الحيوانات والنباتات المذكورة في التوراة، وتزدهر فيها الزراعة بكل أشكالها وخاصة الثمار، مع ندرة التمور ووفرة العسل الي تنتج محافظة غرب أذربيجان وحدها ما يقارب 30% من منتوج العسل اﻹيراني.
كل ذلك يجعل هذه المنطقة المرشح اﻷول واﻷفضل لاكتساب صفة موقع يهوذا وإسرائيل التوراتيتين، ولأن استخراج اﻷدلة من أسفار التوراة التي تتفق مع هذه الفرضية سيحتاج لمئات الصفحات، سأكتفي بإيجازها في النقاط التالية:
استخدم النص التوراتي في مختلف اﻷسفار مصطلح الصعود للتعبير عن كل رحلات السفر والحملات العسكرية التي استهدفت يهوذا من ممالك بابل وأشور ومصر (سوسة - اﻷهواز) أو عيلام وأرام وشنعار وغيرها، واستخدم الهبوط للحركة العكسية، وذلك لن يحدث إلا في جبال زاغروس الوسطى والغربية.
تزخر نقوش بابل وعيلام وأشور وأغلب حضارات المنطقة بمشاهد السبي، ويبدو أنه كان عقابا منتشرا بين ممالك المنطقة يتم بعد تدمير المواقع الرئيسية للمملكة المعادية وسبي طبقة النخبة فيها لمنع صعود تلك المملكة مرة أخرى، وهذا يجعل من عمليات السبي المتكررة وآخرها سبي نبوخذ نصر الملك البابلي وإعادة المسبيين على يد كورش الفارسي وملوك آخرين أمر طبيعيا في ثقافة المنطقة، ويجعله أمرا غير منطقي إن حدث من فلسطين أو من الجزيرة العربية إلى بلاد الرافدين.
وسأكتفي بأربعة أمثلة أخرى ﻹثبات هذه النقطة:
أ- في سفر التكوين 14:
1 وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ أَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ، وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاَّسَارَ، وَكَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلاَمَ، وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ،
2 أَنَّ هؤُلاَءِ صَنَعُوا حَرْبًا مَعَ بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ
ما الذي سيجعل ملك عيلام (شمال اﻷهواز) وملك شنعار (العراق) واﻵخرين يخترقون المملكة اﻷشورية في أوج عظمتها لتأديب مملكة صغيرة قرب البحر الميت، المنطق الوحيد الذي يسمح بحدوث هذا الحدث هو أن تكون هي المنطقة في جبال زاغروس.
ب- في سفر يهوديت 5، يمكن مثال آخر:
“1 وَأُخْبِرَ أَلِيفَانَا رَئِيسُ جَيْشِ الأَشُّورِيِّينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَأَهَّبُوا لِلْمُدَافَعَةِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ سَدُّوا طُرُقَ الْجِبَالِ.
2 فَاسْتَشَاطَ أَلِيفَانَا غَضَبًا فِي شِدَّةِ حَنَقِهِ، وَدَعَا جَمِيعَ رُؤَسَاءِ مُوآبَ وَقُوَّادِ عَمُّونَ
3 وَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا لِي: مَنْ أُولئِكَ الشَّعْبُ الَّذِينَ ضَبَطُوا الْجِبَالَ؟ وَمَا مُدُنُهُمْ؟ وَكَيْفَ هِيَ؟ وَمَا قُوَّتُهَا؟ وَمَا قُدْرَتُهُمْ وَكَثْرَتُهُمْ؟ وَمَنْ قَائِدُ جَيْشِهِمْ؟
4 وَكَيْفَ اسْتَخَفُّوا بِنَا دُونَ جَمِيعِ سُكَّانِ الْمَشْرِقِ وَلَمْ يَخْرُجُوا لاِسْتِقْبَالِنَا لِيَتَلَقُّونَا بِالسِّلْمِ؟»
5 فَأَجَابَهُ أَحْيُورُ قَائِدُ جَمِيعِ بَنِي عَمُّونَ قَائِلًا: «إِنْ تَنَازَلْتَ فَسَمِعْتَ لِي يَا سَيِّدِي أَقُولُ الْحَقَّ بَيْنَ يَدَيْكَ فِي أَمَرِ أُولئِكَ الشَّعْبِ الْمُقِيمِينَ بِالْجِبَالِ، وَلاَ تَخْرُجُ لَفْظَةٌ كَاذِبَةٌ مِنْ فَمِي.
6 إِنَّ أُولئِكَ الشَّعْبَ هُمْ مِنْ نَسْلِ الْكَلْدَانِيِّينَ،
7 وَكَانَ أَوَّلُ مُقَامِهِمْ فِيمَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، لأَنَّهُمْ أَبَوْا اتِّبَاعِ آلِهَةِ آبَائِهِمْ الْمُقِيمِينَ بِأَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ،
8 فَتَرَكُوا سُنَنَ آبَائِهِمْ الَّتِي كَانَتْ لآلِهَةٍ كَثِيرَةٍ،
9 وَسَجَدُوا لإِلهِ السَّمَاءِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَيَسْكُنُوا فِي حَارَانَ. فَلَمَّا عَمَّ الْجُوعُ الأَرْضَ كُلَّهَا هَبَطُوا إِلَى مِصْرَ، وَتَكَاثَرُوا هُنَاكَ مُدَّةَ أَرْبَعِ مِئَةِ سَنَةٍ حَتَّى كَانَ جَيْشُهُمْ لاَ يُحْصَى.
10 وَإِذْ كَانَ مَلِكُ مِصْرَ يُعْنِتُهُمْ بِالأَثْقَالِ، وَيَسْتَعْبِدُهُمْ فِي بِنَاءِ مُدُنِهِ بِالطِّينِ وَاللَّبِنِ، صَرَخُوا إِلَى رَبِّهِمْ؛ فَضَرَبَ جَمِيعَ أَرْضِ مِصْرَ ضَرَبَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.”
من هم سكان المشرق لﻷشوريين؟ وأين توجد جبال شاهقة منيعة في فلسطين يمكن سدها ومنع اﻷعداء من دخولها؟ هذا الحدث يمكن أن يحدث في جبال زاغروس فقط!
جـ- في سفر إرميا 51، المناداة من يهوذا وإسرائيل على ممالك أرارات (اﻷناضول – تركيا) والمانيين (شمال إيران) واﻷشكناز (غالبا في القوقاز):
“27 «اِرْفَعُوا الرَّايَةَ فِي الأَرْضِ. اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الشُّعُوبِ. قَدِّسُوا عَلَيْهَا الأُمَمَ. نَادُوا عَلَيْهَا مَمَالِكَ أَرَارَاطَ وَمِنِّي وَأَشْكَنَازَ. أَقِيمُوا عَلَيْهَا قَائِدًا. أَصْعِدُوا الْخَيْلَ كَغَوْغَاءَ مُقْشَعِرَّةٍ.”
إن لم يكن المقصود به شمال غرب جبال زاغروس، فكيف سيحدث ذلك في فلسطين؟
د- المثال اﻷخير: اعتماد العملة البابلية الشاقل في أسفار التوراة يدل حتما على موقع يهوذا.
وهذا الموقع الجغرافي سيشرح بشكل منطقي ومعقول المنطقة التي تحدد التوراة تخومها:
الخروج:
“وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ”
أي من الخليج إلى بحر قزوين ومن برية إيران إلى نهر الفرات
وميثاق الرب ﻹبرايهم في سفر التكوين "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِالْفُرَاتِ”
أي من نهر كارون إلى نهر الفرات
أثناء بحثي عن تقارير فرق التنقيب في المنطقة وباستخدام الكلمات المفتاحية ظهرت لي مواد لافتة للانتباه وأثارت دهشتي، تتحدث عن رحلات استكشافية قام بها البعض من جنسيات غربية في القرن الماضي بحثا عن جنة عدن، وسبب قيامهم بذلك هو أن سفر التكوين يقول أن جنة عدن تجري من تحتها أربعة أنهار هي فيشون وجيحون وحداقل والفرات، فاعتبروا أن الفرات هو الفرات المعروف، وحداقل الواقع شرق أشور هو دجلة وجيحون هو نهر أراكس المتجه نحو الشمال (أرمينيا وأذربيجان) ﻷن في فتراة سابقة كان اسمه جيهون (على ذمتهم) والنهر اﻷخير فيشون هو نهر أيزون الذي يصب في بحر قزوين. وبالتالي فإن جنة عدة بالنسبة لهم هي المنطقة الواقعة بين حنوب بحيرة وان التركية وبحير اورمية المالحة في شمال إيران في جبال زاغروس. والغريب أنهم يبحثون عن جنة عدن وليس أرض الميعاد. هنا رابط أحد هذه المواد التي تتحدث في اﻷمر وبها معلومات شيقة أيضا في كيفية تفسير أحداث سفر التكوين. (مصدر)
لا بد من اﻹشارة هنا ولو أن هذا الموضوع جانبي، إلا أنه إن صحّ أن سفر التكوين يقصد هذه المنطقة من جبال زاغروس فهذا يستوجب إعادة تعريف جذري لمفهوم اللغات والهويات القديمة.
في ظل هذا الاقتراح الجغرافي مسرحا ﻷحداث التوراة، سأقوم بإعادة سرد أحداث التوراة على الخط الزمني بشكل مختصر جدا فقط من باب إظهار تطابق هذا المسرح مع أحداث التوراة وسأقوم بذلك على مرحلتين:
المرحلة اﻷولى: من قصة خروج إبراهيم من أور الكلدانيين إلى وفاة موسى في أرض موآب.
خرج إبرهيم من أور الكلدانيين إلى حاران، وﻷن حاران لم تكن بعيدة عن بيت إيل في الوصف التوراتي وبيت إيل قريبة من أريحا والتي منطقيا يجب أن تكون أقرب إلى أرض موآب والتي يجب أن تكون في الجغرافية المقترحة في هذه المادة جنوب جبال زاغروس، حيث يمكن أن يذهب مثلا يعقوب إلى زيارة خاله لابان في منطقة قريبة منه وليس على بعد مئات الكيلومترات، وبالتالي فإن احتمال أن تكون حاران في شمال ديار بكر في تركيا يجعلها بعيدة جدا خاصة وأنها كانت في طريق الذهاب إلى أرض كنعان (جبال زاغروس) وهنا يمكن أن تكون أور في شمال وسط العراق (نسبة للكلدانيين) وممكن أن تكون في منطقة أورارات جنوب بحيرة وان، حيث كان يعيش الكلديون الذين كانوا يعبدون اﻹله خالدي وتشابه اﻷسماء بين الكلدانيين والكلدويين قد يؤدي إلى الخلط بينهما.
بعد ذلك تروي التوراة قصة رحيل إبراهيم وجماعته عبر جبال زاغروس إلى شمال مملكة عيلام (مصر اﻷهواز) ثم عاد منها واستقر في حبرون القريبة من بيت إيل وعاي وشكيم وأريحا، وبعدها حدثت قصة يوسف الذي بيع لمصريين في شمال اﻷهواز، وكيف ذهب أخوة يوسف إلى مصر لطلب الطعام وأرسل معهم أسرائيل هدية من الفستق والعسل، حيث أن زراعة الفستق وجمع العسل يزدهر جدا في تلك المنطقة من إيران إلى يومنا هذا. وبعدها ارتحل إسرائيل وأبناؤه إلى شمال مصر (سوسة اﻷهواز).
تسكت التوراة وتعود لتروي قصة موسى (موسى ابن عمران) وبني إسرائيل، فبعد أن يقتل موسى الرجل المصري يلجأ إلى بلاد الميديين شمال اﻷهواز في جبال زاغروس ويعود بعد السنوات فيشكوا له اﻹسرائليون استعباد المصريين لهم واستخدامهم في بناء الصروح باستخدام "طوب اللّبن" وهو التقنية التي استخدمت في بناء مباني مملكة عيلام.
تتوافق الفترة الزمنية لقصة موسى في الخط الزمني التوراتي مع فترة حكم الملك أنتش نابريشا الذي بُنيت في عهده وفق النقوش المسمارية الموثقة على الطوب الطيني عشرات المواقع اﻷثرية أهما جوغا زنبيل الذي توقفت همليات إنشائه ﻷسباب مجهولة لعلماء اﻵثار.
إن هجرة جماعة بشرية من منطقة سوسة عاصمة مملكة عيلام شمال اﻷهواز بالشكل الذي تصفه التوراة باتجاه قمم زاغروس أمر مستحيل، لذلك فإن الطريق الوحيد للذهاب إلى جنوب جبال زاغروس سيكون عبر التوجه جنوبا إلى الفاو وشط العرب المشهور بمده وجزره المتكرر يوميا كل ست ساعات والذي يصل أحيانا لارتفاعات عالية.
بعد ذلك سيكون على الجماعة البشرية المهاجرة أن تسير في البرية المقابلة لمنطقة البصرة مجبرة على السير في البر بعيدا عن القنوات المائية ﻷنها لن تستطيع عبورها، فتتغلغل الجماعة داخل البرية والتي تعرف ثمرة الكمأة التي تنمو في البراري بعد سقوط المطر وتظهر عبر تشقق التربة السطحية وهي سريعة التلف وينبت بجانبها نبات الرقورق أو العذلوق وهو نبات حلو الطعم له زهرة صفراء أو بيضاء وبذور تشبه بذور الكزبرة، الذي تصفهما التوراة بـ:
المنّ:
1) سفر الخروج 16: 31
وَدَعَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمَهُ «مَنًّا». وَهُوَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، أَبْيَضُ، وَطَعْمُهُ كَرِقَاق بِعَسَل.
2) سفر العدد 11: 7
وَأَمَّا الْمَنُّ فَكَانَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ الْمُقْلِ.
والسلوى:
1) سفر الخروج 16: 13
فَكَانَ فِي الْمَسَاءِ أَنَّ السَّلْوَى صَعِدَتْ وَغَطَّتِ الْمَحَلَّةَ. وَفِي الصَّبَاحِ كَانَ سَقِيطُ النَّدَى حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ.
2) سفر العدد 11: 32
فَقَامَ الشَّعْبُ كُلَّ ذلِكَ النَّهَارِ، وَكُلَّ اللَّيْلِ وَكُلَّ يَوْمِ الْغَدِ وَجَمَعُوا السَّلْوَى. الَّذِي قَلَّلَ جَمَعَ عَشَرَةَ حَوَامِرَ. وَسَطَّحُوهَا لَهُمْ مَسَاطِحَ حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ.
…..
وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «لاَ يُبْقِ أَحَدٌ مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ».
لكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى، بَلْ أَبْقَى مِنْهُ أُنَاسٌ إِلَى الصَّبَاحِ، فَتَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَأَنْتَنَ. فَسَخَطَ عَلَيْهِمْ مُوسَى.
3) سفر المزامير 105: 40
سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ.
4) سفر الحكمة 16: 2
أَمَّا شَعْبُكَ فَبَدَلًا مِنْ ذلِكَ الْعِقَابِ، أَحْسَنْتَ إِلَيْهِمْ بِإِعْدَادِ السَّلْوَى مَأْكَلًا غَرِيبَ الطَّعْمِ، أَشْبَعْتَ بِهِ شَهْوَتَهُمْ.
5) سفر الحكمة 19: 12
فَصَعِدَتِ السَّلْوَى مِنَ الْبَحْرِ تَسْلِيَةً لَهُمْ. أَمَّا الْخُطَاةُ فَنَزَلَ عَلَيْهِمِ الاِنْتِقَامُ، مَعَ مَا لَهُ مِنَ الْعَلاَئِمِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي هِيَ شِدَّةُ الصَّوَاعِقِ. وَإِنَّمَا أَصَابَهُمْ مَا اسْتَحَقَّتْ فَوَاحِشُهُمْ،
الكمأ أو الفقع |
الرقروق |
وتتواصل الحكاية في التوراة، إذ يطلب اﻹسرائيليون اﻹذن في الدخول إلى أراضي مملكة أدوم، التي تقول عنها التوراة في سفر التكوين:
32 مَلَكَ فِي أَدُومَ بَالَعُ بْنُ بَعُورَ، وَكَانَ اسْمُ مَدِينَتِهِ دِنْهَابَةَ.
33 وَمَاتَ بَالَعُ، فَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ.
لكن ملك أدوم يرفض طلبهم، ويوجهون نفس الطلب إلى ملك الجهة المقابلة موآب ويرفض طلبهم أيضا، مما وضعهم في تيه تام، لا يعرفون إلى أين يتجهون، وتقول التوراة في سفر القضاة أنهم توجهوا إلى الشرق وداروا خلف موآب واشتبكوا بعدها مع اﻷموريين، ووتستمر رحلتهم إلى أن يصلوا إلى جبل في موآب حيث يموت موسى ويخلفه يشوع الذي يعبر ببني إسرائيل اﻷردن بعد أن يخف ماؤه ويعبرون إلى أريحا مدينة النخل المحادية لجبال زاغروس من الجنوب.
عند هذه النقطة سأنتقل إلى المرحلة الثانية من السردية التوراتية، واخترت أن أقتبس الخط الزمني من موقع وزارة الخارجية اﻹسرائيلية، وسأستبدل الكلمات المتعلقة بالجغرافية بجغرافية جبال زاغروس بخط مختلف، وسأدعو القراء للمقارنة بين القصتين، التي سأضعها هنا ووالتي على موقع الوزارة على هذا الرابط:
حوالي 1210 ق.م – التأريخ التقريبي ״لغزو״ بني إسرائيل أرض كنعان عبر جنوب جبال زاغروس
1210-1010 – الفترة القبلية وتسمى أيضا فترة القضاة حيث كان بنو إسرائيل يتكونون من اتحاد كونفدرالي غير متين لاثنتي عشـرة قبيلة تعيش في مناطق قبلية منفصلة داخل أرض إسرائيل
1020 – ينصب شاؤول ملكا ويباركه النبي صموئيل.
1010 – يلتحق داوود، أصغر أبناء يسي من أرض قبيلة يهودا، بشاؤول ضد العدو الفلشتيمي الساكن في جبال زاغروس
1005 – يسقط شاؤول وابنه يوناتان في المعركة، ويبدأ داوود حكمه كملك من عاصمته حبرون (جنوب جبال زاغروس)
1000 أو 990 – يستولي داوود على أورشليم (في وسط جبال زاغروس) من اليبوسيين (قبيلة من جبال زاغروس)، وتصبح عاصمة قبائل إسرائيل المتحدة. يستولي داوود على أراض واسعة تمتد من سيناء (بعد الخروج من اﻷهواز) إلى أعالي الفرات.
967 – يتوفى داوود ويصبح سليمان ملك إسرائيل المتحدة. ينشىء سليمان تحالفات مع كثير من الأمم المجاورة، لكن بعض شعوب الأراضي التي استولى عليها داوود تنفصل وتكـوّن دولا مستقلة. يبني سليمان ميناء وأسطولا في خليج الفاو، ويقوم بالتجارة مع بلدان بعيدة
950 – يبني سليمان الهيكل الأول في أورشليم، ويوحد نظام تقديم القرابين تحت قيادة كهنة الهيكل.
928 – يتوفى سليمان وترفض القبائل الشمالية الاعتراف بابنه رحبعام. تنشق وتكوّن مملكة منفصلة تسمى إسرائيل بعاصمتها السامرة أو شخيم. تبني معابد مستقلة في الشمال (شمال جبال زاغروس) أيضا بالرغم من شعور الولاء لدى الكثيرين لهيكل أورشليم. تسمى المملكة الجنوبية التي ما تزال عاصمتها أورشليم بيهودا على اسم أقوى قبائلها.
928-722 – فترة المملكة المنقسمة. تتحالف مملكتا الشمال والجنوب بعض الأحيان وتتحاربان في بعض الأحيان. ينشط في هذه الفترة الأنبياء إيليا وإليشع، وهوشع وعاموس وإشعيا
721 – تسقط مملكة إسرائيل الشمالية (في جبال زاغروس) تحت الجيش الأشوري وقد تم ترحيل عدد من سكانها إلى الأراضي الأجنبية. يندمج المهجرون – ويسمون بالقبائل العشر المفقودة – في أوطانهم الجديدة ويفقدون هويتهم كبني إسرائيل. نجحت مملكة يهودا الجنوبية في البقاء تحت الملك حزقيا.
715 – يساعد الملك حزقيا على تقوية النظام الديني وتوحيد مملكة يهودا الناجية.
609 – ينهزم الأشوريون على يد البابليين الذين أصبحوا الآن أقوى إمبراطورية فيما يعرف بلاد الرافدين
721-586 – تنجح يهودا في البقاء مملكة مستقلة، ومن حين إلى آخر تدفع الجزية للإمبراطوريتين البابلية والعيلامية. ينشط في هذه الفترة الأنبياء إشعياء، وإرميا وصفنيا وناحـوم
587-586 – تفتتح بابل أورشليم وتدمر الهيكل. يعدم مسؤولو يهودا أو ينفون إلى بابل مع آلاف آخرين، وتصبح يهودا محافظة بابلية.
539 – يهزم كورش، ملك فارس، بابل.
538 – يسمح الملك كورش بصعود (كما تقول التوراة) سبايا يهودا الذين كانوا في بابل إلى يهودا موطنهم الأصلي، وإعادة بناء الهيكل.
515 – نهاية إعادة بناء الهيكل ويتم تدشينه، لكن يهودا غير قوية. يعمل خلال هذه الفترة النبيان حجاي وزكريا، وينشط آخر أنبياء العهد القديم ملاخي حوالي 450 ق.م.
445-370 – الفترة التقريبية التي صعد فيها نحميا وعزرا من فارس إلى يهودا (جبال زاغروس) للمساعدة في إعادة بناء تحصينات أورشليم وإدارة المجتمع وتعليم اليهود شرائع التوراة بعد فترة طويلة من التدهور الديني والاجتماعي.
333-323 – يغزو الإسكندر الكبير معظم الشرق الأوسط من مصر إلى الهند بما في ذلك يهودا التي ستزدهر لفترة تحت حكم يوناني غير قاس.
يموت الإسكندر ويتم تقسيم إمبراطوريته على كبار قواده. كتبت آخر كتب العهد القديم، الجامعة ودانيال في هذه الفترة.
260 – تتم الترجمـة السبـعونية للتوراة إلى اليونانيـة حوالي هـذا التاريـخ. وتنمو أورشـليم إلى مركز تجاري هيليني مع تزايـد الأهميـة لسكان يهودا من اليهود واليونانيين تحـت البطـالمة اليونانيين المتمـركين في مصر.
سأتوقف عند هذه النقطة، وتجدر اﻹشارة هنا أن الترجمة السبعونية (إن صح أنها هي أصل ما بين أيدينا اﻵن) استبدلت كلمة مصريم في التوراة بكلمة إيجيب اليونانية.
بالنسبة لي شخصيا فإن وضع جغرافية التوراة في جبال زاغروس قدم لي حلولا ﻷلغاز كثيرة لطالما شغلت فكري، منها على سبيل المثال: سبب تحريم الخنزير ولطاما قلت على مواقع التواصل اﻹجتماعي أن "من يفك لغز تحريم لحم الخنزير رغم أن الجزيرة العربية لم تعرف هذا الحيوان سيكتشف الكثير من الحقيقة.” وهذا ما توفر لي مباشرة بعد تحديد موقع جبال زاغروس أرضا لقصص التوراة، والسبب في ذلك أن هيرودوتس في القرن 5 ق.م في المجلد الربع أشار في كتابه إلى جماعة بدوية متنقلة تنحدر من أصول إيرانية اسمها السكوثيون كانوا يعيشون في سهوب بحر قزوين كانوا يحرّمون تقديم القرابين من الخنازير ويمنعون تربيتها، وهذا يجعل من هذا التحريم عند بني إسرائيل ذو معنى وله راسب تاريخي وثقافي.
ومن جهة أخرى قرب المسافة بين بني إسرائيل والسومريين والبابليين والتأثير الثقافي المتبادل يقدم سببا وجيها للتشابه الواضح في قصص الخلق وآدم وحواء والطوفان.
يبقى بالنسبة لي لغز الختان الذي فرضته اليهودية واﻹسلام ورفضته الزرادشتية والمندائية والمسيحية لغزا محيرا. وأيضا سر إبطال القرابين البشرية عند هذه الجماعة البشرية التي تعود جذورها لشعوب الشمال رغم أن هذه العادة كان معمولا بها عندهم مثل السكوثيين.
ومن اﻷشياء التي وردت لذهني مباشرة هي تلك العلاقة التي جسدها القرآن بين الزرادشتية (المجوسية) واليهودية والصابئة المندائيين والمسيحية واﻹسلام في سورة الحج: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” والعلاقة التي أرساها القرآن بين هذه اﻷديان في سورة عمران: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”.
ومن اللطيف ذكر معلومة أن شمال المنطقة التي تتحدث عنها هذه المادة توجد مدينة اسمها تخت سليمان (عرش سليمان) وبها موقع أثري تتوسطه بركة ومائية وغير بعيد عنه ترتفع قمة جبل بلقيس، مما يشير إلى وجود هذه القصص في الذاكرة الشعبية.
تخت سليمان - عرش سليمان في شمال غرب إيران |
أدرك تماما أن تحديد جغرافية التوراة سيكون له أثر أحجار الدومينو، وأن هناك كثيرين أقدر مني عقلا وعلما على توظيف هذه الجغرافية لفهم وفك ألغاز كثيرة سببتها الجغرافية الخاطئة.
الخلاصة:
التوراة كتاب يصف جغرافيا محددة ويروي أحداثا وقعت مع ممالك محيطة لجغرافيته، بحث علماء الآثار في فلسطين عن آثار تؤكد حدوث قصص التوراة لكنهم لم يجدوا شيئا،
ظهرت نظريات للجغرافية البديلة وأهمها طرح مسرح الجزيرة العربية بديلا.
وﻷن جغرافيا الجزيرة العربية لا تشبه جغرافيا التوراة ولا مكن ﻷحداثها أن تقع فيها وبسبب عدوم وجود أعمال تنقيب تؤكد عكس ذلك، فمسرح الجزيرة يسقط من الحساب.
يبقى احتمال واحد، الجغرافيا القريبة من بابل وأشور وعيلام بقية الممالك اﻷخرى المذكورة في التوراة، حيث الجغرافيا تتوافق مع التوراة واﻷحداث قابلة للحدوث بسبب قربها ولوجودها في مكان مرتفع.
هذه الفرضية تدعمها نتائج عمليات التنقيب التي حدثت في شمال جبال زاغروس، حيت تقارير اﻷبحاث تتوافق مع كان يبحث عنه علماء اﻵثار في فلسطين.
شكر خاص
يتوجب علي في الختام توجيه شكر خاص:
1- ﻷستاذي المفكر فاضل الربيعي الذي تعلمت منه الكثير وتكرم علي بساعات طويلة من الحوارات الثرية بالمعلومات.
2- لصديقي الباحث العتيد سيد شتيوي على كل لحظة قضيناها في النقاش وتبادل واﻷفكار والاستماع لتحليلاته العميقة
3- لصديقي أحمد الدبش الكاتب الباحث الذي لا يبخل بقلمه أبدا من أجل تصحيح الرواية التاريخية الفلسطينية
مشكور أخي الكريم على هذا البحث، وأعانك الله عليه.
ردحذفوأحب أن أضيف أن جغرافيا القرآن كذلك لا تتكلم عن الجزيرة العربية وإنما هذه المنطقة، شأنها شأن العهد القديم.
بالتوفيق إن شاء الله.
كل الشكر عن هذه الطروحات..نأمل من الله أن يمدك بالصحة و العافية لتكمل ما بدأت و يزيدك توفيقا..نقرأ لك كل ما نشرت، و نأخذ بيدك إلى البحث ، فقد يوفقك فيما عجز عنه باحثون مثلك..من قلوبنا نرجو لك كل الخير فيما خططت...
ردحذف